ألقت الأحداث التي شهدتها العاصمة العراقية بغداد منذ أيام قليلة، بعد اعتقال السلطات قاسم مصلح، قائد عمليات الأنبار وقائد لواء الطفوف في ميليشيا «الحشد الشعبي» بموجب قانون مكافحة الإرهاب - ألقت الضوء مجدداً على الخطر الأكبر والأهم الذي يواجه الدولة العراقية في المرحلة الراهنة بعد القضاء على تنظيم «داعش» الإرهابي بصور كبيرة، والمتمثل في خطر الميليشيات الطائفية المسلحة وتعديها على سلطة الدولة وتهديد أمنها واستقرارها، فبعد توقيف هذا القيادي قامت عناصر ميليشيا «الحشد الشعبي» بمحاصرة المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد واقتحامها، تلك المنطقة التي تضم سفارات أجنبية ومباني حكومية، في استعراض للقوة، فيما نشرت الحكومة تعزيزات عسكرية، قبل أن يهدأ التوتر لاحقاً بالإعلان عن إطلاق سراح مصلح.
هذه الأحداث أكدت من جديد أن سلطة الدولة العراقية وقدرتها على تحقيق الأمن والاستقرار في هذا البلد لا تزال مقيدة بممارسات هذه الميليشيات، التي خرجت في مواجهة القوات الحكومية وفرضت وجهة نظرها بالقوة، وترافق ذلك مع حملة مدعومة من قبل هذه الميليشيات ومن يقف وراءها ضد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تحت وسم #ليلة_إسقاط_الكاظمي، فيما نشرت منصات مرتبطة بهذه الميليشيات فيديوهات لأرتال عسكرية قالت إنها تابعة لمقاتلي «الحشد الشعبي» متوجهة إلى بغداد للضغط على الحكومة من أجل إطلاق سراح مصلح.
ورغم الانتقادات التي وجهها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لما وصفه بـ «المظاهر المسلحة التي حدثت من قبل مجموعات مسلحة»، والتي عدّها «انتهاكاً خطيراً للدستور العراقي والقوانين النافذة»، فإن ما حدث يشير إلى أن جهود الحكومة لضبط هذه الميليشيات ومحاولة تفكيكها أو احتوائها ضمن الأجهزة الأمنية لا تزال غير ناجعة، وأن فكرة دمج هذه الميليشيات في الأجهزة الأمنية غير مجدية، لأنها تعود وقت الضرورة إلى انتماءاتها الأولية وإلى القوى التي تمول نشاطاتها أو تدين لها بالولاء، كما حدث في التوترات الأخيرة.
يدرك الجميع في داخل العراق وخارجه أن مصدر التهديد الأساسي لمستقبل هذا البلد وأمنه واستقراره هو هذه الميليشيات المدعومة والممولة إيرانياً لتحقيق أجندة طهران في السيطرة على قرار الدولة العراقية أو تعظيم نفوذها داخلها، وقد أشار إلى ذلك كثير من المسؤولين داخل العراق وخارجه، ومنهم على سبيل المثال الجنرال «بول كالفرت»، قائد قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة في سوريا والعراق، الذي قال في أحد تصريحاته: «أعتقد أن هناك تهديدين رئيسيين للعراق في الوقت الحالي: الأول، هو الميليشيات المنضوية تحت راية الحشد الشعبي والثاني هو الاقتصاد.. وكلاهما من دون رقابة مما سيقوض كل المكاسب التي تحققت».
يحتاج العراق في مواجهة هذا التهديد الخطير من قبل الميليشيات المسلحة إلى دعم قوي من المجتمع الدولي والدول العربية، واصطفاف واضح إلى جانب حكومة الكاظمي، لتعزيز قدرتها على مواجهة خطر هذه الميليشيات وفرض سلطة الدولة والقانون على كامل الأراضي العراقية، وبدون ذلك سيظل العراق خاضعاً لسطوة هذه «الميليشيات الطائفية المارقة» التي تعمل لخدمة أجندات طائفية مشبوهة لقوى أخرى لا تريد لهذا البلد ولا للمنطقة العيش بأمن وسلام وازدهار.