الإعلام مفاهيم وعلم وفكر ومعرفة وثقافة وأدب ووعي وتوعيه، كما أنه رسالة مهمة ومؤثرة ونافعة، قديماً وحديثاً، لذلك لا غنى عنه. لم يكن أبناء البادية في الجزيرة العربية قديماً يملكون وسائل إعلام مرئية ومسموعة ومكتوبة، كما هو الحال اليوم، لكن كان شاعر القبيلة يلعب دور وزارة الإعلام كاملةً من خلال كلمات شعرية منظومة لها وقعها المؤثر في حياة المجتمع، وفي شحن الهمم ورفع المعنويات. كان شعره رادعاً اجتماعياً، ورائداً في إصلاح ذات البين وفي تقوية مجتمع القبيلة وتحصينه، من خلال مدح الشجاع وتوبيخ الجبان، والثناء على الكريم، وهجاء البخيل، ونبذ الفاسد والمنحرف والمتخاذل والفاشل، والإشادة بالسوي القويم الصالح من أفراد القبيلة.. وهكذا دواليك في تكوين منظومة قيمية اجتماعية قوية وبيئة صالحة للحياة في ذلك الوقت. 
وإذا انتصرت القبيلة يمطرها شاعرها بوابل من قصائد المدح والثناء والإكبار وهو يصور الحرب ومعاركها، وكيف صال الفرسان واستبسلوا بكل حنكة واقتدار. أما إذا خسرت القبيلة في المعركة، فيفند الشاعر الخسارة، ويبين لماذا خسروا حربهم أمام الخصم، ويرسم الحدث عبر ملحمة شعرية أدبية بارعة، وبأوصاف ملهمة تبين أسباب هزيمة القبيلة وانكسارها.
وإذا تخاذل أحد من القبيلة أو خانها أو غدر بها، يُهْجى شعرياً ويُنبَذَ اجتماعياً من محيط القبيلة ومضاربها، ليكون عبرةً لغيره.
وكل ذلك لأن الشاعر كان يحمل رسالة وأمانة، وكان يمثل ضمير الناس، ويعكس صدق مشاعرهم وأحاسيسهم، لذا كانت كلمته قوية وصادقة ومؤثرة ويحسب لها حسابها في رسم خارطة الطريق لمستقبل القبيلة وتثبيت قيادتها.
وعلى الدوام كان الشاعر موضع إكرام وحظوة، وكان موضع اهتمام بالغ، لأنه يصور أحداث القبيلة وينشر ذكرها بين الناس من خلال لسانه وشعره، خاصة إذا كان ذا خبرة ومصداقية وسمعة وله لسان سليط وقول بليغ وأسلوب لبيب.
أما الآن فأصبح الإعلام في أغلبه وسيلة تضليل ومراوغة ومهادنة ومجاملة ومجافاة للحقيقة.. لافتقاره إلى المصداقية والموضوعية، ولعدم وجود ثوابت في نهجه وهو يصور الحدث أو يحلله، لذا بات من النادر أن نجد في وسائل الإعلام الحالية قراءةً واضحة وصريحة وشجاعة وأمينة للأحداث، بدون تأويل ولا تضليل ولا مواربة.. وأصبح كل من يحمل هاتفاً ذكياً هو إعلامي، وكل من يستطيع التحدث عبر الأثير هو محلل، وكل من يتحدث بدون رقابة ولا خوف ولا وازع من ضمير هو خبير استراتيجي بأمور لا تعنيه ولا يفقهها.. لذلك يصبح بعض الدخلاء على مهنة الإعلام عالةً ومشوشين ومحبطين لحرفة الصحافة وتخصصاتها. معظم هؤلاء يكذبون وينافقون ويهرفون بما لا يعلمون، حتى إن أصحاب الشأن والخبرة والدراية والتخصص من الإعلاميين، بدؤوا يبتعدون عن تخصصهم أو يترفعون عن مجال عملهم السابق، خجلا مما يجري فيه، وهم من تجري المهنة الصحفية في دمائهم وتتلبس عقولهم، عدا عن كونهم أصحاب خبرة معروفة وباع طويل في الميدان الذي تشبّعوا به وعرفوا مداخله وخفاياه وزواياه قبل أن يغزوه المتطفلون ويشوهوا صورته الحقيقية ويحرفوا مسار رسالته التي كانت راجحة في الميزان قبل أن تختلط الأمور وتتشابك وتتيه بوصلة المسيرة الإعلامية الحق، والتي نحن اليوم بحاجة إليها أكثر مما مضى، لما يجري من أحداث ساخنة وأزمات متتابعة. الحاجة ماسة إلى إعلام متخصص في وقت حرج وحساس تتلاطمه الأمواج من كل الاتجاهات! 

*كاتب سعودي