خاضت الولايات المتحدة حربين بحريتين في عامي 1801 و1815 في البحر المتوسط ضد القرصنة وعرفت بحرب البرابرة. وتحول القرصنة من تهديد بحري إلى أوبرا ساخرة على مدار القرن التاسع عشر يجب أن يعطي متخذي القرار السياسي بعض الدلائل عن كيفية تفادي هجمات القراصنة الرقميين، مثل هجوم برنامج لانتزاع الفدية الذي شل حركة شركة «كولونيال بايبلاين» في الأيام القليلة الماضية. وسواء كان القراصنة في روسيا أو كوريا الشمالية أو في مكان آخر، ستضطر الولايات المتحدة إلى استخدام بعض وسائل القوة عتيقة الطراز المعروفة في الجغرافيا السياسية لتغيير حوافز هذه الحكومات.
هجمات برامج انتزاع الفديات أصبحت صناعة إلى حد كبير، واستطاعت ألا يكون لها ظهور كبير حتى الآن، لأن كلا الضحايا والقراصنة لا يرغبون في نشر المعلومات عن نطاق واسع. وهذا التكتم ربما يكون أحد الأسباب التي تجعل أرقام مكتب التحقيقات الاتحادي (إف. بي. آي.) حول الموضوع منخفضة بشكل مثير للضحك. والآن ومع أحدث هجوم تسبب في إغلاق خط أنابيب وارتفاع أسعار البنزين في الساحل الشرقي، أصبح الأمن القومي على المحك. وهذا جيد لأن التاريخ يعلمنا أنه لا يوحد إلا طريقة واحدة لإلحاق الهزيمة بالقراصنة، وهي التي تعين فيها على الدول الكبيرة والقوية إبراز قوتها وشن حملة على الدول الأضعف التي تأوي الخارجين على القانون. 
وهذا قد يمثل تغيراً كبيراً عن الحال الراهن الذي ينصح فيه طائفة من المفاوضين المختصصين في البيانات عملاءهم بأن ليس لديهم خيار إلا دفع الفدية وشراء الصمت عن بياناتهم المسروقة. ومرشدي في هذه القضية هو «سيث بيرمان»، المحامي المتخصص في الأمن الرقمي، الذي يتمتع بخبرة عقود في هذا المجال. ويشير بيرمان إلى أن الكلفة تتجاوز انتهاك بيانات عامة. فتجميد البيانات قد يؤدي إلى توقف عمل شركة وإهدار عائدات. وهذه الكلفة أغلى بشكل لا يمكن تفاديه غالباً من الثمن الذي يطالب به القراصنة. والكلفة ترتفع مع تزايد جرأة القراصنة. وذهبت إحدى التقديرات أن الكلفة الإجمالية لهجوم رقمي ارتفعت من 761106 دولارات عام 2020 إلى 1.8 مليون دولار عام 2021. 
وذكر «بيرمان» أن القراصنة يتزايد وعيهم بالضرر الذي يحدثونه. ومن المنطقي أن يحاولوا دوماً جعل مبلغ الفدية أقل من تقدير الشركة لكلفة التوقف عن العمل أو كشف بياناتها. ومن المنطقي أيضاً أن يجري استهداف الشركات الكبيرة التي بلغ متوسط فديتها 170404 دولارات العام الماضي. ولا يجري تعقب الأفراد، لأن معظم الناس لا يدفعون فدية بل يشترون كمبيوتر جديد وكفى، وحتى حين يدفعون الفدية، فمتوسط الفدية المطلوبة من الأفراد يبلغ 504 دولارات. 

ولحل مشكلة قرصنة برامج انتزاع الفدية، يستحق الأمر النظر إلى الطريقة التي تم بها التخلص، إلى حد كبير، من القرصنة في القرن التاسع عشر. والإجابة المختصرة هي أن الدول الكبيرة ذات الأساطيل البحرية الكبيرة استخدمت نفوذها لمنع القراصنة من ممارسة عملهم من القواعد التي استطاعوا فيها من قبل القيام بعملهم دون محاسبة. ومن المؤكد أن عدد أكبر وأفضل من السفن ساعد في اعتقال القراصنة. لكن القراصنة لا يمكنهم البقاء في البحر دوماً، ويحتاجون إلى موانئ يوجهون منها عملياتهم. وتقريباً لا يعمل القراصنة حالياً إلا في أماكن بها حكومات ضعيفة تفتقر إلى القدرة أو الرغبة في قمع القرصنة، الصومال مثالاً. ولتحليل البيانات يرجى الاطلاع على دراسة بحثية للمعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية بعنوان «الحوكمة». 

وفي المقابل، تأتي القرصنة عبر برامج الابتزاز من دول لا تكلف نفسها عناء كبح القرصنة أو تشارك فيها فعلياً. فقد أوكلت بعض الحكومات الحديثة لقراصنة مهمة الانخراط في نوع محظور قانونياً من شبه القرصنة. وبالتالي، فحل مشكلة برامج الابتزاز خاصة المتعلقة بدفع فدية في يد الولايات المتحدة وبعض الدول القوية الأخرى. وتستطيع هذه الدول القيام بهذا باستخدام قوتها ونفوذها لتغيير بواعث دول مثل روسيا وكوريا الشمالية التي يأتي منها معظم الهجمات. ومن بين أدوات تنفيذ هذه الغاية، اتباع سياسات القوى العظمى مثل العقوبات والهجمات المضادة والاعتراف بأن هجمات برامج المطالبة بفديات هي قرصنة يمكن أن تصبح عملاً حربياً. وبمقدور الدول الضعيفة التي لا تستطيع عرقلة برامج المطالبة بفدية، تقديم أدوات منها مساعدات لإنفاذ القانون وتعزيز بنيتها التحتية الرقمية. 
والدرس الذي يعلمنا التاريخ إياه هو أن القرصنة لن تتلاشى فحسب من تلقاء نفسها بل تحتاج إلى التصدي لها. والقرصنة ليست عملاً ساخراً لأوغاد ظرفاء بل مرتكبوها حسب القانون الدولي أعداء لكل البشرية. 

*أستاذ القانون في جامعة هارفارد.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»