ماذا يعني أن يكون المرء «وطنيا» (patriot)؟ هذا السؤال كان موضوع نقاشات واسعة عبر الولايات المتحدة في أعقاب أعمال الشغب التي تعرض لها مقر الكونجرس الأميركي في السادس من يناير الماضي. فهل كان المتمردون «وطنيين أميركيين»، مثلما وصفهم الرئيس دونالد ترامب وقتئذ؟ أم تراهم شنّوا «هجوما على بلدنا ومبادئه التأسيسية»، كما قالت «اللجنة الوطنية الجمهورية»؟الواقع أنه من السهل تحديد معني «وطني» -- إنه «شخص يحبّ بلده ويدعمه»، وفق معجم «مريم-ويبستر» الإنجليزي.

غير أنه من الصعب الاتفاق حول ما ينبغي أن يقتضيه هذا الحب. وبالطبع، فإن أشهر الوطنيين هم المستوطنون الأميركيون الذين شكّلوا مليشيات وجيشا للقتال من أجل استقلالهم عن بريطانيا ودفاعاً عن مُثل عصر التنوير وقيمه التي ضمّنوها في «إعلان الاستقلال»: «أن كل الناس وُلدوا متساوين، وأن الخالق وهبهم بعض الحقوق الثابتة وغير القابلة للتحويل». اليمين المتطرف سعى إلى ادعاء ملكيته لمصطلح «وطني».

ووفق هيدي بيريتش وإفلين شلاتر، الخبيرتين في أشكال التطرف والعنصرية، فإن ما يسمى حركة «الوطنيين»هي عبارة عن مجموعة فضفاضة من المنظمات التي تؤمن بنظريات المؤامرة، و«تعتبر الحكومة الفيدرالية عدوها الرئيسي». والجدير بالذكر في هذا الإطار أن هناك مئات «المليشيات الوطنية» التي تتدرب على الدفاع عما تعتبره مبادئ دستورية مهدَّدة.

وعندما حثّ ترامب «الوطنيين» على «القتال» قبل أعمال الشغب، فقد اعتُبر ذلك تحريضا لهذه المجموعات. أما اليسار الأميركي، فقد تخلى عن المزايدة في هذا الموضوع، على ما يبدو. فوفق استطلاع للرأي أجري في 2019، فإن 22 في المئة فقط من «الديمقراطيين» يعتبرون أنفسهم «فخورين للغاية لأنهم أميركيون»، مقابل 76 في المئة عند «الجمهوريين»، ذلك أن تعريف المرء لنفسه بأنه وطني يمكن أن يبدو، بالنسبة للبعض، كنوع من التأييد للأسس صاحبت مرحلة تأسيس أميركا، من بينها: مأسسة العبودية في الدستور، وتخصيص مواطنة من الدرجة الثانية للنساء، والاتفاقات المنقوضة مع السكان الأصليين. وتحاجج الأستاذة «إيماني بيري»، على سبيل المثال، بأن الأميركيين السود لا يستطيعون «أخذ مكان لأنفسهم ضمن.. مجد منظومة القيم والمعتقدات الأميركية» قبل أن «يعاد صنع البنية نفسها، البنية التي مكّنت وشجعت على الإبادة الجماعية، والعبودية، والنزعة القتالية، والاستغلال الاقتصادي، إلخ...».

ولكن، هل يمكن استعادة مصطلح «وطني»؟ يبدو ذلك ممكنا، على الأقل من الناحية الخطابية. وفي هذا الصدد، يشرح خبراء العلوم السياسية ستيفن فيش، ونيل أبرامز، وليلى أغاي أنه قبل عدة عقود استطاع الزعماء «الديمقراطيون» صياغة «الصفقة الجديدة» و«ميدي-كير» بنجاح باعتبارهما برنامجين وطنيين. وعلى سبيل المثال، فقد وصف الرئيس فرانكلن دي. روزفيلت جباية الضرائب على مداخيل الأشخاص الذين يوجدون في أعلى السلم الضريبي ب«الشيء الأميركي الذي ينبغي فعله». وخلاصة القول إن الوطنية (patriotism) لم تكن تتعلق فقط بتمجيد قيم ومعتقدات وطنية معينة.

فالإشارة إلى عيوب البلد وأخطائه والعمل من أجل إصلاحها هو أيضا عمل لا يقلّ وطنية. ومثلما كتب الأديب الأميركي من أصل افريقي جيمس بالدوين ذات مرة: «إنني أحبُّ أميركا أكثر من أي بلد آخر في العالم، ولهذا السبب بالضبط، أشدّد على الحق في انتقادها باستمرار».

كاتبة وصحافية أميركية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»