عندما أجرى المراكز الأميركي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها تغييراً مفاجئاً في توجيهاته الأسبوع الماضي، مشيراً إلى أن الأشخاص الذين تم تطعيمهم بالكامل ضد فيروس كورونا يمكنهم التوقف عن ارتداء الأقنعة في معظم الأماكن، كان الخبر موضع ترحيب، وإن كان ترحيباً ينطوي على بعض النقد.

ويسير التطعيم بشكل جيد نسبياً في الولايات المتحدة، على الرغم من تراجع عدد الأشخاص الذين يتلقون الجرعة كل يوم عن ذروته. كما أن حالات الإصابة الجديدة، ودخول المستشفيات والوفيات بسبب الفيروس آخذة في التناقص. وقد تسوء الأمور مرة أخرى، ويمكن لمركز السيطرة على الأمراض دائماً تحديث إرشاداته وإعادة فرض قيود أكثر صرامة. لكن في الوقت الحالي، تبدو هذه اللحظة بالنسبة للكثيرين وكأنها بداية نهاية الوباء. ومع ذلك، وحتى بعد السيطرة على الفيروس، لا يزال من المحتمل أن تكون له آثار باقية.

ووجدت دراسة نشرت الشهر الماضي من قبل كلية الطب بجامعة واشنطن في سانت لويس، والتي تقول الجامعة إنها ربما تكون حتى الآن أكبر دراسة شاملة طويلة المدى حول «كوفيد-19»، أن «الناجين من المرض، بمن فيهم أؤلئك الذين لم يتستدع حالاتهم دخول المستشفى، يزداد لديهم خطر الوفاة في الأشهر الستة التالية للتشخيص بالفيروس». وهذا مهم للغاية، لأن أكثر من 30 مليون أميركي أصيبوا بالفعل بالفيروس. وكما جاء في التقرير، فإن «الآثار المستمرة لهذا المرض سيتردد صداها لسنوات عديدة وحتى لعقود».

إننا نشهد ارتفاعاً غير عادي في عنف السلاح في أميركا. ولم يتم بعد تقديم الدليل الواضح الذي يربط بين أزمة عنف السلاح وجائحة الفيروس. لكننا نعلم أنهما متداخلا. وأصدرت مجموعة «إيفري تاون فور جن سيفتي» Everytown for Gun Safety تقريراً في وقت سابق من هذا الشهر وضع الأمور في نصابها بهذه الطريقة: «الزيادات القياسية في مبيعات الأسلحة، والأطفال الملازمون لمنازلهم بشكل لم يحدث من قبل، والعزلة الاجتماعية، والصراعات الاقتصادية بسبب كوفيد-19.. تضع العديد من الأشخاص في خطر متزايد جراء التعرض للعنف باستخدام السلاح. في الواقع، كان عام 2020 أحد أكثر الأعوام دموية بالنسبة للولايات المتحدة.

فقد أودت جرائم القتل بالأسلحة النارية وحوادث إطلاق النار غير المرتبطة بالانتحار بحياة نحو 19,300 شخص، بزيادة قدرها 25% عن عام 2019. في حين أن البيانات الرسمية لعام 2020 حول جميع الوفيات الناجمة عن استخدام الأسلحة النارية ليست متاحة بعد، فإن تحليل (إيفري تاون) للبيانات من أرشيف عنف السلاح يكشف أن عدد الوفيات المرتبطة بالعنف المسلح في عام 2020 ربما يتجاوز 40.000، بمعدل 12.3 حالة وفاة لكل 100.000 شخص. وهذا يُترجم إلى أعلى معدل للوفيات بالأسلحة النارية في العقدين الماضيين». ويبدو من الواضح أننا فشلنا في تقدير الصدمة الوطنية التي تسبب فيها وباء «كوفيد-19»، والتي تركَّز قدر كبير منها في مجتمعات ضعيفة بالفعل: مجتمعات الفقراء والطبقة العاملة ومجتمعات السود والملونين. لذا فإنني قلق أيضاً بشأن الفوارق العرقية فيما يتعلق بخريطة عدوى «كوفيد-19»، وكيف يمكن أن يصبح هذا الخلل مزمناً. من منظور المساواة العرقية، لم تكن الطريقة التي تعامل بها هذا البلد مع فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) مشجعة.

يختلف فيروس كورونا وفيروس الإيدز عن بعضهما بعضاً بطرق لا حصر لها؛ فأحدهما سهل نسبياً والآخر صعب نسبياً. أحدهما يفتقر إلى وصمة العار الاجتماعية للآخر. يمكن للمصاب بكورونا أن يموت في غضون أسابيع، بينما يميل المصاب بالإيدز إلى الوفاة ببطء. تتوفر لقاحات كورونا مجاناً، بينما قد تظل علاجات الإيدز باهظة التكلفة، لكن كليهما يسبب أمراضاً معدية مميتة تصيب المجتمعات الضعيفة بشكل أكبر.

عندما كان يُعتقد أن فيروس الإيدز يؤثر بشكل كبير على الرجال البيض في المدن الليبرالية الكبيرة، كان هناك قدر كبير من الطاقة والاهتمام الإعلامي الذي تركز على إيجاد علاج. ومع تطوير العلاجات لتصبح متاحة على نطاق واسع، بما في ذلك تلك التي حالت دون انتقال العدوى، انخفضت معدلات الإصابة بين الأشخاص البيض بشكل كبير. وانخفضت أيضاً التغطية الإعلامية. لكن في الوقت نفسه، زادت معدلات الإصابة بين السود إلى مستويات وبائية، على الرغم من وجود العلاجات.

فهل يمكن أن يحدث الشيء ذاته مع فيروس كورونا؟ على الرغم من إحراز تقدم نحو التكافؤ في اللقاحات، فقد تلقى السود والإسبان نسبةً أقل من التطعيمات مقارنةً بالبيض. ويرجع ذلك جزئياً إلى التردد، وجزئياً إلى عدم توفر إمكانية الحصول على اللقاح. وكما ذكرت الراديو الوطني العام في أبريل الماضي فإنه «بينما بدأت معدلات التطعيم الإجمالية في فيلادلفيا في التباطؤ خلال الأسبوعين الماضيين، يقول مقدمو الخدمات هناك –الذين يتردد صداهم على المستوى الوطني- إن التباين بين المجموعات العرقية ليس نتيجة تردد الأشخاص في الحصول على التطعيم، ولكنه بالأحرى يعود إلى وجود عوائق مسؤولة عن ذلك مثل مواقع مراكز التطعيم، وتسجيل الاشتراك عبر الإنترنت فقط، وجدولة المواعيد، والنقل.. وغيرها من مشكلات التخطيط».

ماذا سيحدث عندما يتلاشى الاهتمام الإعلامي، بينما لا تتلاشى مشاكل الفقر والوصول للتطعيم؟ هل سيصبح هذا مرضاً مزمناً آخر في المجتمع الأسود يتجاهله الإعلام إلى حد كبير؟ إنني، مثل أي شخص آخر، أتطلع إلى اللحظة التي يمكن أن تعود فيها البلاد إلى حالة ما قبل «كوفيد-19»، لكنني أدرك أيضاً حقيقة أن الآخرين قد لا يعودون إلى طبيعتهم، وأن صحة ورفاهية العديد من الأميركيين قد تتأثر بهذا المرض بعد فترة طويلة من إعلان البلاد الانتصار على المرض.

*كاتب أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»