على قناة «الحرة» وفي لقاء متلفز مع وزير الخارجية والمغتربين اللبناني شربل وهبة، خرج وزير الدبلوماسية عن طوره بعد أن أورد ضيف القناة المحلل السياسي السعودي سلمان الأنصاري اسم حسن نصرالله كأحد أسباب تدهور السياسة وانهيار الاقتصاد في لبنان، ليصرّح الوزير شربل بعد ذلك بكلام غير مسؤول وخارج عن الأدب واللباقة وكل الأعراف الدبلوماسية، ناعتاً السعودية ودول الخليج ببلاد البدو، وزاعماً أنها مَن أنشأ وموّل تنظيم «داعش»، ثم ختم بالتشكيك في القضاء السعودي، طارحاً قضية خاشقجي التي انتهت وحُسم أمرها وتمت معاقبة مرتكبيها.
إثر تلك التصريحات المسيئة للمملكة العربية السعودية ودول الخليج كافة، صدر بيان رسمي لرئيس الجمهورية اللبناني ميشيل عون جاء فيه أن كلام وزير الخارجية شربل وهبة يمثله شخصياً ولا يمثل دولة لبنان. وأثار هذا البيان ردات فعل خليجية ساخطة، لما يمثله من غرابة وما يثيره من تساؤلات: هل سبق أن صرّح وزير خارجية في أي دولة في العالم، وهو يشغل رسمياً رأس هرم الدبلوماسية في بلاده، ثم قيل بأن كلامه لا يمثل دولته؟ إذن مَن يمثل؟ وهل تصريح وزير خارجية لبنان يمثل إيران؟ ومن في السلطة اللبنانية لا يأتمر بأمر حسن نصرالله؟
منذ أواخر الثمانينيات، أي نهاية الحرب الأهلية في لبنان، وحتى عام 2005 (حيث اغتيل فيه الرئيس رفيق الحريري) كانت العلاقات السعودية اللبنانية أخوية قوية، قوامها التعاون والتكفل بالإمدادات والمساعدات وإعمار لبنان بعد اتفاق الطائف التاريخي الذي حققت فيه الدبلوماسية السعودية إنجازاً سياسياً كبيراً لخدمة لبنان في عهد الملك فهد رحمه الله، وهو اتفاق لا يزال نصه يتصدر موقع الجيش اللبناني كوثيقة وطنية للاستقرار السياسي الذي نعم به لبنان حتى اغتيال الحريري على يد «حزب الله»، ليصبح لبنان بعدها رهينة لإرادة إيران وهيمنتها عن طريق الحزب. وبعد اتفاق 2008 الذي قدّم فيه لبنان كل التنازلات لهذا الحزب الذي بسط نفوذه واخترق كل المؤسسات الأمنية والمطارات والمرافئ، وما أدى إليه ذلك من دمار وإرهاب وتفجيرات واغتيالات كثيرة مثل اغتيال الوزير باسل فليحان، والمؤرخ سمير قصير، والصحفي السياسي جبران تويني، والوزير محمد شطح، والوزير بيار أمين الجميل ووسيم الحسن.. وليس انتهاءً بالصحفي المستقل لقمان سليم الذي اغتيل قبل أشهر بسبب مواقفه السياسية المناهضة لـ«حزب الله».
ذكر الأستاذ سلمان الأنصاري حول كواليس اللقاء الذي أصبح قضية دبلوماسية أن الوزير شربل وهبة حاول بكل نفوذه إلغاء اللقاء وحذفه قبل أن يذاع، ليس ندماً على تصريحاته المشينة، بل اعتراضاً على استضافة «البدوي» سلمان الأنصاري نفسه وإعطائه وقتاً «غير مستحق للحوار»، لكن شاءت الأقدار أن يتم بث البرنامج لنتلقى هذه التصريحات التي كشفت ما يعتمل في نفوس ساسة لبنان تجاه الخليج الذي نعته الوزير ببلاد البدو، والحق أنه اعتراف بأصالة هذه البلاد التي لا تزال وستبقَى دولاً ذات تاريخ ضارب في جغرافيا المنطقة، أي «بلاد البدو» التي جمعت بين الأصالة والحضارة حتى أصبحت دولاً يشار لتقدمها بالبنان، وهي «بلاد البدو» ذاتها التي أخرجت لبنان من أتون حرب أهلية طاحنة بفضل اتفاق الطائف الشهير، كما حمت اقتصاده من الانهيار لعقود عديدة وأسست بنيته التحتية من كهرباء وطرق ومرافق خدمية واستثمارات.. حتى جاء مَن هدم كل ذلك مقدماً أرواح الشرفاء قرباناً لأجندته الخاصة!
وكما أثارت تصريحات شربل غضب الخليج قاطبة، فقد أثارت سخط الشرفاء اللبنانيين ضد حكومة ارتبطت بالفشل السياسي والاقتصادي وجر لبنان إلى عداوات في محيطه العربي، فالشعب اللبناني هو مَن سيدفع فاتورة هذا الفشل المركب.. بكل أسف!

*كاتبة سعودية