كم هائل من التقارير الصحفية وغير الصحفية والتسريبات التي تتحدث عن احتمالية أن تكون جائحة كورونا المستجد مُصنعة مخبرياً، ناهيك عن التقارير التي تصدر من مراكز بحوث وعلماء يشككون في أن يكون هذا الفيروس طبيعياً، وإنْ كانت منظمة الصحة العالمية أصدرت في بيان سابق لها أنه ليس مُصنعاً ولا مُعدل جينياً. وما بين نظرية المؤامرة والنفي يعاني العالم اليوم أكبر كارثة تجر معها كوارث وأزمات متنوعة تواجه الإنسانية. ويعيش العالم اليوم صدمة قوية بسبب تفشي فيروس «كوفيد –19»، لدرجة أن واقع الحياة اليومية تغير على مستوى العالم، باعتبار أن هذا الفيروس والأزمات المصاحبة له وتداعياتها تعيد كتابة مفهوم الأمن الإنساني ورهانات من طراز متقدم تتجسد فيها كل ملامح عصر المخاطر، والذي كان يتداول كمصطلح في المجتمعات العسكرية والأمنية والاستخباراتية بعد حرب الخليج وغزو العراق وأحداث 11/9 وظهور «داعش» و«الحوثيين»، وتغير شكل الإرهاب بلا رجعة في ثوب وحلة جديدة لا تخضع للمعايير القديمة ولا يكافح بنفس الطرق التقليدية، ولذلك سيتفاجأ العديد من المجتمعات بوجه آخر للإرهاب «التكنوبيولوجي» والمرتبط بالتقدم الرهيب الحاصل في عالم التكنولوجيا والاتصالات والذكاء الصناعي والحرب السيبرانية وقرصنة المعلومات والبيانات.
وينتقل العالم من سباق الفضاء إلى سباق التسلح بعد كورونا وردع الهجمات التكنوبيولوجية والتي ستكون مربوطة بتلاعب في المناخ والظواهر الطبيعية وغزو إلكتروني يشل القدرة على المناورة وسرقة البيانات والأبحاث المهمة وخطف العلماء وتهكير العقول وإدخال البيانات الخاطئة في النظم والشبكات. وهذا إرهاب مزدوج ربما ليس بعيد المنال، ولا يحتاج إلى إمكانات فظيعة ومليارات الدولارات ليكون واقعاً ملموساً، بل على النقيض من ذلك، فإن التقنيات المتوفرة لعامة الناس اليوم هي أكبر تهديد للأمن العالمي فيما هو قادم من سنوات، ولربما دخلت الشركات الكبرى هذا السباق وتكون دويلات ناشئة بمعايير مختلفة، وفصلاً جينياً بين البشر مبني على المعرفة ومدة التقدم في البحث العلمي والاختراع.
والدول التي تصرف ميزانيات ضخمة اليوم على التسليح الذي يغير موازين القوى في الوقت الحاضر ولا تتسلح لحروب المستقبل وتنشأ مراكز مكافحة الإرهاب غير الذكية التي تعتمد على العدة والعتداد والعسكرة أكثر من العلماء والبحوث والابتكار ورصد مؤشرات المستقبل، هذه الدول ستجد نفسها قريباً جداً نادمة على عدم الاستثمار في تطوير جيل من المخططين الاستراتيجيين المدركين للأبعاد الخفية للتهديدات والتحديات القادمة، وهم نسخة أصلية غير مقلدة لأحد، والذين يرون ما لا يراه الآخرون، ويظهرون الحقائق كما هي، وهم بمثابة مرآة يرى من خلالها صُناع القرار المستقبل، حيث يعيشون معنا بأجسادهم فقط وتبقى أقدامهم على الأرض ملمين بواقعهم ولكن برؤيتهم يصنعون أحداث المستقبل ولا يعيشون فيها فقط.
ومن جانب آخر يتوقع الباحثون والخبراء أن جائحة «كورونا» العالمية هي تتويج لعصر المخاطر، ونهاية للفترة الآمنة المختلف عليها بالنسبة لثلاثة أجيال متعاقبة على الأقل. وأصبح كل شيء يشكل خطراً قائماً وتهديداً، بدايةً من الأوبئة والغذاء إلى الدواء، وهامش الربحية في تلك القطاعات بجانب الكوارث الطبيعية التي ستعيد عقارب الساعة في توزيع الحبوب والمحاصيل والثروة الحيوانية، وبالتالي نوع التغذية. وستلعب كمية المياه الصالحة للشرب والري دوراً في الإرهاب «التكنوبيولوجي»، الذي سيحل محل مفهوم الإرهاب البيولوجى، وتزايد استخدام الشبكة الخفية لتنفيذ الأنشطة الإجرامية. ولن تجدي نفعاً المراقبة الأمنية لمراكز الأبحاث المتخصصة في علوم الفيروسات والبكتريا، من دون وجود منظومة دولية للحد من مخاطر المعلومات المتاحة والأجهزة والمواد المتوفرة والتدريب واكتساب المهارة في فضاء معرفي شبه مفتوح للجميع وسوق سوداء للإرهاب الذكي، وبالتالي أهمية البحث عن أدوات جديدة تحقق فاعلية أكبر لإدارة أنماط الإرهاب الافتراضي المقبلة وضربات إرهابية متوقعة من دون مشاركة من العنصر البشري.
* كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات. 

.