على مدار العالم، وفي منطقة الخليج العربي بالذات يوجد إصرار من قبل بعض الدول على إدخال الأسلحة النووية والصواريخ الحاملة لها إلى أهدافها. لكن هل لاحظت مثل تلك الدول كيف أن البشرية جمعاء في هذه المرحلة من التاريخ البشري متوجسة خيفة من الخطورة الجمة التي تحملها لهم هذه المشاريع، وكيف أنهم حريصون على عدم مجرد الحديث عنها؟ وبالتأكيد أن دور النشر حول العالم أصدرت العديد من الأدبيات التي تحذر من خطورة هذه الأسلحة على مستقبل البشرية، لكن لدى بعض الدول هذا الأمر يبدو بأنه لا يعنيها وهي ماضية فيه إلى آخر المشوار.
لكن كم سمع القارئ الكريم خلال السنوات الماضية عن الموضوع في إعلامه المحلي في الدول التي يعيش فيها عن خطورة الموضوع؟ وقرأ أي شيء حوله، إلا نادراً، في أدبياته المحلية؟ ما أريد قوله إن البشرية تبدو وكأنها دخلت في نوع من الاتفاق الجماعي بأن لا تتداول الموضوع علنا، فبالطبع الكل يعرف عنه بأنه موجود، لكن لا أحد يريد أن يتم تذكيره بمدى خطورته.
ما هو تفسير اللامبالاة تجاه امتلاك بعض الدول لأداة فتاكة حبلى باحتمالات الخطر؟ يأتي مصطلح «التهرب» جاهزاً لكي يجيب عن السؤال، لكن التهرب يشرح موقفاً ذهنياً ولا يقدم الشرح المطلوب للامبالاة.
صحيح أنه بعد سنوات من الضغوط والمعاناة التي خلفتها الحروب في العصر الحديث العديد من البشر يشعرون برغبة جامحة للابتعاد عن الحديث عن الحقائق المرة التي واجهها العالم جراء هذه الحروب، وأن يعيشوا في أمان، لكن يبقى أن الأمر يذهب إلى أبعد من ذلك كثيراً، فالدول وشعوبها لا يمكن لها أن تكون جاهزة لكي تصرف خطورة الأسلحة النووية، والصواريخ الباليستية الحاملة لها من أذهانها، وتنام قريرة العين إذا ما شعرت بأنها تستطيع حقيقة فعل أي شيء تجاه منع انتشار الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية حول العالم، بل والتخلص مما هو موجود منها حالياً في يد بعض الدول.
المشكلة هي أننا كأفراد نشعر بأننا عاجزون عن التأثير في مسار الأحداث، وبأنه مهما حدث نحن لا نستطيع فعل شيء يصنع الفارق، وهذا هو حال العديد من الدول أيضاً عندما تكون مصالحها الخاصة على المحك.
إننا جميعاً كبشر وبدرجات متفاوتة نعيش مثل هذا الشعور العميق بالإحباط، فالمسألة تتعلق بمزاعم حول حقوق الدول الساعية إلى التسلح النووي وسيادتها، وهذا في تقديري يعد من بين إحدى نقاط الضعف المحيرة في النظام الدولي القائم.
من المساوئ الملحوظة في النظام الدولي أنه ما أن تنال الدولة حق السيادة ويتم الاعتراف بها من قبل المجتمع الدولي، يصبح عادة من الصعب السيطرة على سلوكياتها على الصعيد الداخلي على الأقل، حيث يتم إنتاج الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية.
لكن في تقديري أنه عندما يتعلق الأمر بالتسلح النووي، ليس من شأن الأمم المتحدة وحدها أن تكون لها الكلمة الأخيرة فقط فيما يجري، ولكن هي مسؤولية المجتمع الدولي بأكمله والبشرية جمعاء أن تتصدى للدول التي تنتهج سياسات خطيرة من شأنها أن تدمر الكرة الأرضية، ومن يعيش على سطحها.
وهنا نحن نتساءل، هل يستطيع قادة العالم منع الدول المارقة من ذلك؟ وما هي فائدة القلق إذا لم تصاحبه أفعال تزيله؟ وما هي فائدة التمسك بمبدأ سيادة الدول في مثل هذه الحالات بعد ذلك ترك الحبل على الغارب؟ هذا النمط من الأسئلة تحتم على كل دولة أن تبحث لنفسها عن إجابات عليها، بما في ذلك الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
والحقيقة تنطلق من افتراض أنه عند نقطة ما تصبح البشرية جمعاء، بما في ذلك المواطنون العاديون مسؤولين عن تقدير دلالات امتلاك دول مارقة بعينها للأسلحة النووية، وأن يقرروا ما الذي يجب فعله حيال ذلك، رغم أننا لا نستطيع رؤية كيف أنه يمكن لها أن تصنع الفارق في نهاية المطاف، نظراً لصعوبة المشكلة وتعقيداتها وتشابك وتقاطع المصالح المحلية والإقليمية والدولية في ثناياها.
إن البشرية تستطيع الاستمرار في تجاهل وجود المشكلة، لكنها قبل أن تفعل ذلك عليها أن تأخذ في اعتبارها ما الذي يمكن أن يحدث للعالم من دمار، وتتساءل هل سيساعد ذلك على فرصتها في النجاة من ذلك الدمار؟
* كاتب إماراتي