بعد فشل الجلسة الخامسة لمفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، والتي عقدت في رأس الناقورة بإشراف الأمم المتحدة وحضور الراعي الأميركي، دون تسجيل أي تقدم في اختراق الحائط المسدود، بات على رئيس الجمهورية ميشال عون أن يتجه لتوقيع تعديل المرسوم رقم 6433، وزيادة المساحة المتنازع عليها من 860 كلم إلى 2290 كلم، وإيداعه الأمم المتحدة. وذلك حرصاً على حق لبنان وسيادته الوطنية على ثروته البحرية القومية، خصوصاً أن التفريط بهذه السيادة، وفقاً للدستور اللبناني، هو محض خيانة وطنية. 
وما يرجّح العودة إلى ذلك أنه سبق للرئيس عون أن أبلغ الوفد اللبناني المشارك في المفاوضات «احتمال اللجوء إلى هذا الإجراء، حين تجد الرئاسة أن جميع الخيارات قد نفدت منها، ولم يعد يصلح من أجل حفظ حقوق لبنان سوى التوقيع». وبما أن الجانب الأميركي قد أدخل تعديلات خلال المفاوضات لصالح الجانب الإسرائيلي، فقد بات متحتماً على لبنان السير خلف مصلحته أيضاً، والتحرر بالتالي من أي تفاهم سابق مع وكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل، أثناء زيارته الأخيرة لبيروت، حيث تم تجميد التعديل بناءً على لطلبه، بعد أن هدد بأن إصداره سيؤدي إلى نسف المفاوضات نهائياً. 
ويذكر أنه قبيل توقف المفاوضات في الجلسة الرابعة، في 2 ديسمبر الماضي، قررت إسرائيل وضع لبنان أمام خيارين إثنين؛ إما الترسيم والاستثمار المشترك للمكامن، وإما قيامها بمباشرة الحفر ونهب الموارد الموجودة، وعلى المتضرر أن يلجأ إلى القضاء أو الحرب! وحرصاً من الوسيط الأميركي ديفيد شينكر (كان مساعداً لوزير الخارجية) على دعم الجانب الإسرائيلي، أكد أن المفاوضات تتناول تقاسم المكامن المشتركة في المنطقة المتنازع عليها، ويأمل أن يؤدي التفاوض إلى إيجاد حل يسمح للطرفين بالاستفادة من تلك الموارد. 
لكن اللافت أن المفاوضات واجهت صعوبات عدة، واصطدمت بشروط متباعدة، حالت دون الوصول إلى أي اتفاق. وفي هذا السياق جاء إعلان ديفيد شينكر فشل المفاوضات، محملا الموقف اللبناني مسؤولية ذلك، «لأنه لم يقدم حلا لترسيم الحدود، بينما يقوم الإسرائيليون باستخراج الغاز، وهم غير مستعدين للتوصل إلى اتفاق مع لبنان». وانتقد شينكر «صرخة لبنان» ضد انتهاك سيادته البحرية من قبل إسرائيل، في حين أنه لا يهتم بانتهاك سيادته من قبل سوريا في الشمال، بإبرامها العقود مع شركات روسية للتنقيب في المياه اللبنانية!
وإذا كان لبنان بحاجة ملحة لاستثمار ثرواته لحل مشاكله المالية والاقتصادية، فإن إسرائيل أكثر حاجة لتحقيق استثمارات متقدمة، لكنها تواجه شركات عالمية غير مستعدة لتضع أموالها في مناطق متنازع عليها. ومن هنا يسعى الإسرائيليون إلى استثمار الارتباك السياسي اللبناني، والغطاء الأميركي، ليبدؤوا الحفر في حقل «كاريش» الذي تتولاه شركة «إينرجين» اليونانية. وبما أن لبنان يعتبر أنه يملك أكثر من نصف محتوياته وعليه أن لا يفرط بحقوقه، لذلك على الرئيس عون الإسراع بإصدار مرسوم بتعديل «إحداثيات» المرسوم 6433 وإيداعه الأمم المتحدة لتكريس المناطق المتنازع عليها، ووقف أي عمليات للحفر، وأن يلجأ إلى التحكيم الدولي الملزم، أو إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، لتطبيق قانون البحار الذي أقرته الأمم المتحدة في معاهدة دولية عام 1982. وهنا ك دراسات عدة (بما فيها دراسة إسرائيلية)، خلُصت إلى أن حجة إسرائيل القانونية ضعيفة، وهي تسقط أمام أي مرافعة قانونية دولية. 

*كاتب لبناني متخصص في القضايا الاقتصادية