تزامن دخول إدارة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن البيت الأبيض مع مرور عشر سنوات على «الربيع العربي»، مما أدى إلى تزايد الحديث عن ربيع عربي آخر بنفس «أوبامي» تدميري جديد، حيث بدأ الترويج للربيع القادم على أكثر من صعيد وبوسائل متعددة في الإعلام الأميركي والأوروبي والعربي، كما انضم إلى الجوقة بعض الوزراء الخليجيين السابقين ليبشروا بالمولود الجديد! ما يعني خروج الأفاعي السامة من جحورها بعد أن تكورت على نفسها خلال السنوات الماضية؛ بسبب فشل ربيعها الأول والذي كبّد الدول التي شملها خسائر اقتصادية قدّرت حتى الآن بـ833 مليار دولار و1.4 مليون قتيل وجريح و15 مليون مشرد، وفق «المنتدى الاستراتيجي العربي». ومن غرائب هذا الزمن أن فحيح الأفاعي شمل قوى متناقضة من اليمين، مثل «الإخوان» والخمينيين، ومن اليسار الذي انضم للتطبيل للربيع العربي المزمع. 
الدروس السابقة بيّنت بوضوح حجم الدمار الاقتصادي والمجتمعي الذي لحق بدول «الربيع» الأول، وهي باختصار انضمام الملايين لصفوف العاطلين عن العمل، وتدهور قطاع الخدمات الأساسية، وهجرة رؤوس الأموال والاستثمارات، وتدمير البنى الأساسية اللازمة للتنمية، واشتداد حدة الصراعات السياسية والطائفية، وغياب الأمن بسبب ضعف الدولة، وانتشار الفساد، وظهور المليشيات المسلحة.
والسؤال هنا هو: هل في هذه المحصلة الاقتصادية والمجتمعية ما يدفع أي إنسان عاقل لمجرد التفكير في ربيع تدميري آخر في بلدان مستقرة وتوفر الأمن والمستلزمات المعيشية الأساسية لمواطنيها؟ لقد انطلت الخدعة الأولى، إلا أن تكرار الخدع أمر صعب، إذ «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين».
الحقيقة أنه سيكون هناك ربيع آخر، لكنه مختلف تماماً هذه المرة، سيكون ربيعاً تصحيحياً لمأساة الربيع الأول، بمعنى أنه سيكون ربيعاً تنموياً بقيادة التحالف الخليجي ومصر، وسيشمل برامج اقتصادية واجتماعية تنموية في مختلف الدول العربية، مما سيؤدي إلى تحسين مستويات المعيشة وتوفير الوظائف من خلال ضخ استثمارات جديدة، حيث يلاقي هذا الربيع الدعم من شعوب بلدان الربيع الأول الفاشل، إذ يمكن ملاحظة ذلك بوضوح في تونس ولبنان وليبيا والعراق وسوريا واليمن.
ذلك لا يعني أن الدول والقوى الداعمة لربيع تخريبي آخر ستقف مكتوفة الأيدي، بل ستبذل جهوداً مضاعفة لتجنب فشل جديد، وقد بدأت تحركاتها مبكراً من خلال خلق أزمات محلية مفتعلة في بعض البلدان العربية، بنشاط خاص من حزب «الإخوان المسلمين» وحلفائهم، إلا أن توجهاتهم هذه لن يكتب لها النجاح لأسباب عديدة، يأتي في مقدمتها الدمار الاقتصادي الشامل للجولة الأولى، وتراجع الفكر «الأوبامي» في العالم العربي بعد تحالفه مع نظام الولي الفقيه، وكذلك التدهور الشامل في شعبية ومكانة «الإخوان» والداعمين لهم والذين يعتبرون المحرك الأساسي للجولة الأولى.
وفي المقابل، يقدم الربيع التصحيحي برامج تنموية طموحة ترمي إلى تنفيذ مشاريع كبيرة لإنعاش الأوضاع الاقتصادية، والحد من الفساد، وتوفير فرص العمل، وجذب الاستثمارات، وتطوير التشريعات، ومحاربة التطرف والإرهاب، ورفع المستويات المعيشية، وتعزيز الأمن والاستقرار اللازمين للتنمية.
هذه هي طبيعة الصراع القادم في المنطقة بين ربيعين، أحدهما مدمر، كما بينت التجربة السابقة، تقوده دول عربية وغير عربية بأدوات محلية، والآخر القادم تنموي بآفاق مستقبلية واعدة، وتقوده دول عربية كبيرة ومؤثرة، ويحمل معه المتطلبات اللازمة للمساهمة في التطور والتنمية بعيداً عن التدخلات والتخريب الخارجي.
إذن الفرق بين الربيعين، والذي يتم الآن استيعابه بوضوح بين الشعوب العربية، هو الفرق بين الدمار بشعارات بالية وبين التنمية التي تحمل معها الخير والاستقرار، وكذلك بين التشرد والقتل وفقدان الأمل وبين العمل على تذليل الصعوبات والمحافظة على الحياة، حيث يواجه الاتجاهان تحديات كبيرة، فالأول فقَدَ قوة الدفع بعد أن تعرى، أما الثاني التنموي فهو أيضاً يواجه تحديات حقيقية بسبب الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها بعض الدول العربية، إلا أنه هو المشروع المستقبلي الذي يمكن البناء عليه لمستقبل واعد للأجيال القادمة.