لم يعد العمل الإنساني يقتصر على المساعدات الخيرية والإغاثية التي يتم تقديمها للدول التي تواجه أزمات وكوارث طبيعية بهدف مساعدتها على تجاوز آثارها السلبية، وإنما بات لا ينفصل عن العمل الإنمائي والأمن والسلم الدوليين، بعدما أصبحت المنظمات الأممية والدولية المعنية بالعمل الإنساني تتبنى فلسفة جديدة تستهدف تغيير حياة البشر والإسهام في تنمية المجتمعات بشكل مستدام، من خلال الاستثمار في المشروعات الخدمية ذات المردود الإيجابي على حياة الأفراد، كالتعليم والرعاية الصحية والأمان الاجتماعي. 
وفي ظل تصاعد وتيرة الأزمات والكوارث واستمرار النزاعات والصراعات في مناطق مختلفة حول العالم، فإن التكلفة الإنسانية الناجمة عنها ترتفع هي الأخرى، ولا تقتصر على تزايد أعداد اللاجئين والنازحين والمشردين، بل تشمل أيضاً تردي الأوضاع المعيشية والاجتماعية، وما يرتبط بها من تزايد معدلات الفقر والبطالة، وهي في مجملها تشكل بيئة خصبة لقوى التطرف والإرهاب التي توظفها من أجل تنفيذ أجندتها، سواء في التمركز بهذه المناطق أو في تجنيد أعضاء جدد يتبنون أيديولوجيتها وينخرطون في أنشطتها الإرهابية، لهذا فإن العمل على تجفيف هذه البيئة الداعمة للتطرف والمحرضة على الإرهاب يمثل أولوية ملحة للمجتمع الدولي، بمنظماته الإنسانية والتنموية وجهاته المانحة. 
ولا شك في أن العمل الإنساني بمفهومه الواسع، الذي ينطوي على أبعاد خيرية وإغاثية وإنمائية وأمنية، أصبح أهم مرتكزات تحقيق التنمية المستدامة والأمن والسلم الدوليين، خاصة في ظل جائحة كوفيد-19، التي خلفت – وما تزال- آثاراً كارثية في تزايد معدلات كلٍّ من الفقر والبطالة والتضخم والركود في العالم بصورة غير مسبوقة، وهي مؤشرات لا يمكن تجاهل تداعياتها الأمنية الخطيرة، وتتطلب من المجتمع الدولي التحرك لمواجهتها من خلال المبادرات الإنسانية والإنمائية التي تستهدف تخفيف آثار هذه الجائحة على الدول والمجتمعات الفقيرة، والتوزيع العادل للقاحات على جميع شعوب العالم دون أي تمييز، وذلك انتصاراً لقيم الأخُوَّة والتضامن الإنساني. 
لقد سلطت الحلقة النقاشية التي نظمها «تريندز للبحوث والاستشارات» قبل أيام الضوء على طبيعة العلاقة بين العمل الإنساني والتنمية المستدامة، وكيف تسهم المساعدات الإنسانية والإنمائية في تعزيز جهود الأمن والتنمية والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي، واستشهد الخبراء المشاركون فيها بتجربة دولة الإمارات الرائدة في العمل الإنساني والإنمائي، والتي تنطلق من ثوابت راسخة تستهدف تخفيف معاناة البشر في مناطق الأزمات والكوارث من ناحية، ودعم جهود التنمية الشاملة والمستدامة في الدول الشقيقة والصديقة والنامية من ناحية ثانية، وقيادة المبادرات الإنسانية والإنمائية الدولية التي تستهدف مساعدة الدول والمجتمعات التي تواجه نزاعات مسلحة وأزمات تنموية على تجاوز هذه الأوضاع كي لا تتحول إلى بؤرة جاذبة للتنظيمات المتطرفة والإرهابية من ناحية ثالثة. ولهذا، فمن الطبيعي أن تترسخ صورة الإمارات باعتبارها العاصمة الإنسانية للعالم التي تعمل من أجل ترسيخ ثقافة الأُخوَّة الإنسانية، وتعزيز التعاون الدولي في مواجهة التحديات الإنسانية، ودعم أهداف التنمية المستدامة في العالم.