على عكس الاعتقاد الشائع، أظهرت نتائج دراسة أجراها علماء معهد أوكسفورد للإنترنت (Oxford Internet Institute)، عدم وجود علاقة، أو على الأقل وجود علاقة ضعيفة، بين استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة وبين الصحة العقلية لصغار السن والمراهقين.
هذه الدراسة، والتي نشرت في العدد الأخير من إحدى الدوريات المرموقة المتخصصة في العلوم النفسية (Clinical Psychological Science) شارك فيها 430 ألف متطوع بين سن العاشرة والخامسة عشر، من الولايات المتحدة وبريطانيا. ومن خلال الإجابة عن مجموعة من الأسئلة، قام هؤلاء المتطوعون ببيان فترات استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي، والأجهزة التكنولوجية، مع شرح حالتهم النفسية ومشاعرهم السلبية. وما اكتشفه القائمون على الدراسة أن العلاقة بين استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة وبين المشاعر السلبية، مثل الاكتئاب أو الميول الانتحارية أو الاضطرابات السلوكية، هي علاقة ضعيفة جداً أو ربما غير موجودة من الأساس.

وتأتي هذه النتيجة معاكسة للاعتقاد الشائع والراسخ، بأن وسائل التكنولوجيا الحديثة تتسبب في إضرار بالصحة العقلية لصغار السن والمراهقين. هذا الاعتقاد دعمه مؤخراً وبالتحديد نهاية يناير الماضي، تقرير صدر عن معهد السياسة التعليمية (Education Policy Institute) أظهر أن الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، يرتبط بالمشاعر السلبية وانخفاض تقدير واحترام الذات، بغض النظر عن الحالة العقلية للمراهق، كما أن الفتيات كانوا أكثر عرضة للإحساس بالاكتئاب وفقدان الأمل.
ويتفق الجميع على أنه بخلاف الثمن الإنساني الواضح لوباء كورونا الحالي، والمتمثل في أعداد الإصابات والوفيات المتزايدة يوماً بعد يوم، هناك أيضاً ثمن إضافي ووباء خفي، يتحمل عبئه المصابون بالاضطرابات النفسية والعقلية، والذين يقارب عددهم على المليار شخص.

ويحتل الأطفال والمراهقون أهمية خاصة في هذا المجال، حيث تتميز هذه المراحل العمرية بتغيرات هرمونية وبيولوجية كبرى، تترافق بتطور واضح في نمو المخ وفي القدرات الذهنية. كما تتصف مرحلة المراهقة بنمط سلوكي خاص، يميل فيه المراهق إلى الرغبة في قضاء وقت أطول مع أصدقائه، بدلاً من عائلته وأهله. جميع خطوات ومراحل النمو النفسي والتطور الاجتماعي تلك، تعرضت لاضطراب شديد، وأحيانا توقفت تماما، بسبب الوباء الحالي. بحيث أصبح أعضاء هذه الطائفة العمرية يقضون جل وقتهم في أحضان شاشات الأجهزة التكنولوجية الحديثة، وهو مما لا شك سيؤثر على المرحلة الخاصة من النمو النفسي التي يمرون بها في هذه الفترة من حياتهم.
* كاتب متخصص في الشؤؤن العلمية والطبية.

  3304313