تحتفل الإمارات اليوم بالذكرى الخامسة والأربعين لتوحيد القوات المسلحة، ففي السادس من مايو عام 1976 اتخذ المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وإخوانه حكام الإمارات قرار توحيد القوات المسلحة ليستكمل بذلك أركان دولة الاتحاد ويعزز من قوتها الشاملة، ويضعها على طريق البناء والتنمية والنهضة والعمران. لقد كان هذا القرار نقطة انطلاق لتحول نوعي واسع على صعيد انتقال القوات المسلحة من قوة صغيرة إلى جيش متطور وحديث يمتلك أسباب القوة والمنعة، ويستطيع الحفاظ على المكتسبات الوطنية في الداخل والدفاع عن الأشقاء وتحقيق أهداف السياسة الخارجية الإماراتية في الخارج.
لقد كان الشيخ زايد، طيب الله ثراه، يمتلك رؤية استشرافية عميقة لطبيعة دور القوات المسلحة تتجاوز بكثير المهام العسكرية والدفاعية إلى المهام الإنمائية والإنسانية، بل إنه كان يراها الأقدر على إعداد أبناء الوطن وتأهيلهم جسدياً وتربوياً وثقافياً، وأنها بحق «مصنع الرجال»، بما تمتلكه من مؤسسات وخطط تدريبية وعلمية وأكاديميات متطورة تسهم في بناء الكوادر المواطنة وتأهيلها، كي تكون قادرة على قيادة مسيرة التنمية والدفاع عنها وتوفير ما تحتاجه من خبرات بشرية وإدارية وتخطيطية، بحكم أن المؤسسة العسكرية قائمة بالأساس على مقومات وركائز وعوامل تؤهلها للعب هذه الأدوار وأداء هذه المهام الوطنية، وهي نفس الرؤية التي تنطلق منها القيادة الرشيدة برئاسة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة القائد الأعلى للقوات المسلحة، والتي تنظر إلى القوات المسلحة باعتبارها درع الوطن وحصنه المنيع في مواجهة التحديات والمخاطر، ورمز قوته وعزته وعنوان منعته، وأنها الحامي الأمين لمكتسبات التنمية، تصنع السلام وتردع المعتدين، كما أنها المظلة التي تدمج أبناء الوطن في بوتقة واحدة والتقريب في ما بينهم، مما يعزز من اللحمة الوطنية ويعمق من تماسك الوطن وسلامة مجتمعه.
إن الذكرى الخامسة والأربعين لتوحيد القوات المسلحة تكتسي أهمية خاصة هذا العام، لأنها تتزامن مع اليوبيل الذهبي لدولة الإمارات التي تحتفل فيه بمسيرة حافلة من الإنجازات والنجاحات التي تحققت خلال العقود الخمسة الماضية، كانت القوات المسلحة شريكاً رئيسياً فيها، بما وفرته من أمن واستقرار شامل، وبيئة داعمة للتنمية، فقد مارست مهامها بكل كفاءة واقتدار كقوة دفاع عن أمن الوطن ومقدّراته، وقدمت نموذجاً ملهماً في التضحية والتفاني في العمل من أجل تقدم ورقي الإمارات وتعزيز مكانتها على خريطة الأمم المتقدمة. في الوقت ذاته، فإن ما حققته القوات المسلحة من إنجازات منذ توحيدها تعد الوجه الآخر لمسيرة التنمية والتطور التي شهدتها دولة الإمارات خلال الخمسين عاماً الماضية، فما وصلت إليه من مستوى متطور وتحديث وتدريب وكفاءة واحترافية يضعها ضمن مصاف الجيوش المتقدمة في العالم لا ينفصل عن النجاحات التي حققتها الدولة في المجالات الأخرى، كالفضاء والطاقة النووية والمتجددة، وتصنيفها ضمن أفضل عشر دول تنافسية في العالم في العديد من المؤشرات.
لقد كانت القوات المسلحة طوال العقود الخمسة الماضية الحارس الأمين للمكتسبات التنموية والحضارية التي حققتها الإمارات، وستظل القاطرة التي تقود مسيرتها في مشروعها النهضوي للخمسين عاماً المقبلة، كي تكون من أفضل دول العالم في الذكرى المائة لتأسيسها، لأنها أصبحت تقدم نموذجاً للمؤسسات الاحترافية ليس فقط في مجال استيعاب التكنولوجيا العسكرية المتقدمة، والانخراط الفاعل في الصناعات الدفاعية والعسكرية والتكنولوجية، وإنما أيضاً في تنمية المهارات لمنتسبيها، والارتقاء بقدراتهم، والعمل على ترسيخ ثقافة التميز والابتكار والإبداع، لتكون سمة ملازمة لها منذ توحيدها وحتى يومنا هذا. 
في ظل تعاظم التحديات والمخاطر التي تشهدها المنطقة والعالم من حولنا، يتضح بصورة جلية أن قرار توحيد القوات المسلحة والاستثمار في تطويرها وتحديثها كان من أهم القرارات في تاريخ دولة الإمارات، لأنه شكل الأساس في بناء قوات مسلحة عصرية تدافع عن الوطن وتصون منجزاته وتواكب طموحاته المستقبلية، ولهذا فإن هذا القرار كان وسيظل أفضل استثمار استراتيجي، لأنه استكمل أركان دولة الاتحاد لتنطلق بأمان نحو البناء والتطور لتحتفل هذا العام بمسيرة خمسين عاماً من الإنجازات، وهي في مصاف الدول المتقدمة، وتتطلع إلى مرحلة أكثر طموحاً تطمح فيها أن تكون في مقدمة دول العالم في الذكرى المائة لتأسيسها.
* إعلامي وكاتب إماراتي