حمّل خبراء غربيون إدارة الرئيس جو بايدن، جانباً لا يُستهان به من المسؤولية، عن إمعان ميليشيا «الحوثي» في تصعيدها العسكري الراهن، وذلك في وقت يواصل فيه المبعوث الأميركي لليمن «تيموثي ليندركينج» جولاته في المنطقة، لبحث سبل وضع حد للاقتتال لأكثر من ست سنوات، وهذا يحدث بالتوازي مع مباحثات «ليندركينج» في الرياض ومسقط، بشأن كيفية ضمان وصول السلع والمساعدات الإنسانية إلى مختلف أنحاء اليمن بانتظام ودون عوائق، والتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار وإطلاق عملية سياسية تشمل مختلف الأطراف.

ويبدو التناقض واضحاً إزاء خطوة الرئيس بايدن المتمثلة في حذف «جماعة الحوثي»، من قائمة المنظمات الإرهابية، إذا ما علمنا أن ثمة خطوات يدرسها الخبراء في البنتاجون تتضمن تزويد السعودية ببعض أنواع الأسلحة الدفاعية، كمنظومات خاصة باعتراض الصواريخ، بالإضافة إلى توسيع تبادل البيانات الاستخباراتية وبرامج التدريب وبرامج التبادل بين عسكريي البلدين، وتأكيد واشنطن بتصريحاتها المتكررة بأنها حريصة على حماية السعودية.
المشهد العسكري في مأرب يدعو للقلق، حيث يواصل «الحوثيون» مساعيهم للاستيلاء على محافظة مأرب ذات الأهمية الاستراتيجية، جنباً إلى جنب مع شن هجمات بالصواريخ والطائرات المُسيّرة، على منشآت مدنية ونفطية في السعودية. «الحوثيون» الموالون لإيران، يكثفون هجماتهم المستمرة على محافظة مأرب، بهدف الاستيلاء على مواقع النفط هناك، لتأمين الطاقة لتكون لهم دعامة اقتصادية، في حال وقف إطلاق النار، لتعزيز موقفهم التفاوضي، في حال تمت عملية السلام.
ما تشهده الساحة اليمنية خاصةً في مأرب من تصعيد هو نتيجة مباشرة لقرار إدارة بايدن، في ذلك يقول الخبراء إنه: يكشف عن تجاهل أركان الإدارة الحالية لـ«الإخفاقات السابقة» التي وقعت فيها الولايات المتحدة، وما ترتب عليها من أزمات سواء لها أو لحلفائها.
وبعد أن افترض المخططون السياسيون في واشنطن أن حذف «الحوثيين» الذين يقاتلون الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً منذ استيلائهم على صنعاء في سبتمبر 2014، من قائمة الإرهاب، سيتيح الفرصة لمواجهة أكثر كفاءة للأزمة الإنسانية المتفاقمة في اليمن، جاءت النتيجة على عكس المتوقع تماماً، بعدما استغلت ميليشيا «الحوثي» والأطراف الداعمة لها هذه الخطوة في «تكثيف هجماتها، خاصة ضد السعودية».
يبدو الأمر كما لو أن إدارة الرئيس بايدن ليست على علم بأن «الحوثيين» يستغلون «مقولة» المعاناة الإنسانية التي تجاوبت معها واشنطن. هذا الأمر أخذه «الحوثيون» وسيلة للتحايل، بينما هم السبب المباشر في معاناة اليمنيين. والسيد «مارتن غريفيث» مندوب الأمم المتحدة، أيضاً، كان يتعذر بأن تجاوبه مع «الحوثيين» سوف يسهل تمرير المساعدات الإنسانية، ليكتشف بعدها، هو وبعثة الصليب الأحمر الدولي، أن ميليشيات «الحوثي» تستولي على المساعدات الإنسانية وتبيعها في الأسواق.
في هذا السياق، قالت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، إن الخطوات التي اتخذتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في رفع العقوبات عن ميليشيات «الحوثي» اليمنية وشطبها من لائحة الإرهاب، شجعت هذه الميليشيات على تشديد هجومهم في محافظة مأرب الاستراتيجية، حيث أصبحت القنابل تتساقط على مخيمات النازحين بعدما كانت مدينة مأرب، واحداً من الملاذات الآمنة في اليمن.
مثل هذه القرارات، لا تتسق -حسب الخبراء- مع الطريقة التي يجب أن تمارس بها قوة عظمى، كالولايات المتحدة، تأثيرها الرادع ضد القوى المتطرفة والميليشيات التابعة لها مثل «الحوثي»، قائلين: ما يحدث حالياً «يعني أن بايدن يتنازل، بعد أشهر قليلة من دخوله البيت الأبيض، عن النفوذ الأميركي مجاناً، بدلاً من استخدامه لتحقيق أهداف السياسة الخارجية لواشنطن»، بما يسهم في الوقت نفسه، في إرساء الأمن والاستقرار، على الساحتين الإقليمية والدولية.
*سفير سابق