ركبتُ الطائرة ذات مرة في رحلة جوية من دبي إلى كابول في أفغانستان إلى جانب فريق لكرة القدم للفتيات –مراهقات يرتدين بدلات حمراء، يدردشن ويضحكن مثلما قد تفعل أي فتيات مثلهن في أي مكان آخر من العالم. ومؤخراً وجدتني أفكر في أولئك اللاعبات من جديد بعد أن أعلن الرئيس جو بايدن عن مخططات لانسحاب عسكري كامل لأميركا من أفغانستان. 
وآمل أن تكون لديهن الإمكانيات للخروج قبل أن تتولى «طالبان» زمام الحكم من جديد، مثلما ستفعل على الأرجح إنْ عاجلاً أو آجلاً. ولا شك أن الولايات المتحدة لم تذهب إلى أفغانستان بعد 11 سبتمبر من أجل تحسين وضع النساء هناك. ولكننا فعلنا ذلك على كل حال. ونتيجة لذلك، فإن ملايين الفتيات، اللاتي منعتهن «طالبان» من الحصول على أي نوع من التعليم، ذهبن إلى المدرسة. وبعضهن أصبحن طبيبات ورائدات أعمال وأعضاء في البرلمان. وبعضهن تمكن من رؤية بناتهن يلعبن كرة القدم تحت الدرع الحامي لعصر القوة الأميركي.
ولكن أولئك النساء يتم التخلي عنهن الآن، مثلما يتم التخلي عن كل أفغاني كافح من أجل جعل البلد مكانا أكثر إنسانية وترحيباً وتسامحاً عرقياً واجتماعياً – وبعضهم فعل ذلك عبر الإقدام على مجازفة شخصية كبيرة جداً من أجل مساعدة الجنود والدبلوماسيين وعمال المساعدات الأميركيين على القيام بعملهم. ومثلما كتب «جورج باكر» في مجلة «ذي أتلانتيك»، فهناك نحو 17 ألف أفغاني ينتظرون دوران عجلات الجهاز البيروقراطي الأميركي لكي يحصلوا على تأشيراتهم. 
وإذا كان جو بايدن يريد تمييز سياسته للهجرة عن سياسة سلفه، فعليه أن يبادر بتوقيع أمر تنفيذي لمنح كل واحد من أولئك الأشخاص تأشيرة دخول وبسرعة. هذا الأمر من شأنه رفع حكم الإعدام الذي يتهددهم الآن. كما أنه يصب في مصلحة التقاليد الأميركية المتمثلة في الترحيب باللاجئين السياسيين من أماكن مثل المجر وكوبا وفيتنام والاتحاد السوفييتي السابق وشمال العراق. ومن شأنه أيضاً أن يبعث برسالة مفيدة مفادها أن مساعدة أميركا حين تطلب المساعدة ليس أغبى شيء يمكن للمرء أن يفعله. 
ولكن أولئك الـ17 ألف شخص ليسوا سوى جزء بسيط من الأشخاص الذين سنتركهم خلفنا. وهناك حجة عقلانية مؤداها أن الولايات المتحدة ذهبت إلى أفغانستان لخدمة مصالحنا الوطنية، التي دُرست بشكل عقلاني ومتجرد بعيدا عن العاطفة، وليس لتلبية احتياجات بلد فقير يبلغ عدد سكانه زهاء 40 مليون نسمة. فالسياسة الخارجية، في نهاية المطاف، تتعلق بالمصلحة الذاتية، وليس بمصالح الآخرين. 
ولكن لسائل أن يتساءل: ما كانت المصلحة الأميركية في البقاء في أفغانستان بعد سقوط طالبان؟ إنها لم تكن قتل أسامة بن لادن، الذي لم يكن سوى واحد ضمن كوكبة من العقول المدبرة الإرهابية، بل كان التأكيد على أن بن لادن كان مخطئا بشأن التزامات أميركا طويلة الأمد، وخاصة الخارجية.
في أغسطس 1996، أصدر بن لادن فتواه الشهيرة معلنا الحرب على الولايات المتحدة التي كان يأمل أن تكون طويلة ودموية. ولاحظ أن الأميركيين، في حرب تلو الحرب، دائما ما يعمدون إلى المغادرة بسرعة. وكتب بن لادن: «لقد أذلّكم الله حينما انسحبتم، وقد كشف ذلك مدى ضعفكم وقلة حيلتكم».
وكانت هجمات 11 سبتمبر نتيجة مباشرة لتلك الملاحظة. ولهذا كان باراك أوباما على صواب حينما وصف أفغانستان، خلال حملته الانتخابية الأولى، بأنها «حرب علينا أن نفوز فيها». ذلك أن الخسارة فيها لن تُظهر ضعفنا وهواننا فحسب، وإنما ستمثّل تأكيدا لصحة مزاعم تلك الاستراتيجية المتطرفة. فإلى أي حد ستكون أميركا آمنة عندما تنجح تلك الاستراتيجية ليس في كابول فقط ولكن في إسلام آباد أيضا؟
إن نظرية الردع لا تعتمد على توازن القوى فحسب ولكن أيضا على رصيد المصداقية. ومغادرة أفغانستان الآن لا تفعل شيئا لتغيير الأولى في حين أنها تستنفد الثانية بشكل خطير. وبذلك، نمدد سلسلة خسائرنا الممتدة منذ 50 عاما من فيتنام إلى الصومال إلى العراق، بسبب كوننا خطيرين، على أقل تقدير، على أصدقائنا بقدر خطرنا على أعدائنا.
وهناك رأي يرى أن طلب الأميركيين من الأفغان أن يتولوا أمورهم بأنفسهم بعد 20 عاما من التضحيات الأميركية لا ينبغي أن يُنظر إليه على أنه غير عقلاني. غير أن السياسة الخارجية تتعلق أيضا بالتعاطي مع العالم كما هو، وليس كما نتمنى أن يكون. ففي العالم الذي نتمناه، ما كان الزعماء الأفغان سيكونون غير أكفاء، وما كانت النساء الأفغانيات سيكن في خطر أكبر، وكانت طالبان ستقطع علاقاتها مع الإرهابيين الدوليين، وما فعلته الولايات المتحدة في ركن من العالم ما كان سيكون له تأثير على كيف يُنظر إليها في أماكن أخرى. 
أما في العالم الواقعي، فلا شيء من ذلك صحيح، وعلينا إيجاد طريقة للدفع بمصالحنا من دون خيانة قيمنا وأصدقائنا. والحال أن قرار الأسبوع الماضي الكارثي بشأن أفغانستان يرسب في ذاك الاختبار على كل الأصعدة. 
*صحافي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز» 
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2021/04/19/opinion/afghanistan-biden-troops.html