في 14 أبريل، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أن كل القوات الأميركية ستغادر أفغانستان. إعلان نشرته «نيويورك تايمز» بالبنط العريض على صدر صفحتها الأولى لأنه أنهى أطول حرب خاضتها أميركا. فقد غزت الولايات المتحدة أفغانستان رداً على هجوم 11 سبتمبر 2001 الإرهابي الذي شنته «القاعدة»، والجنود الأميركيون سيغادرون في 11 سبتمبر 2021، أي بعد عشرين عاماً على الهجوم. 
ثلاثة رؤساء حاولوا سحب الجنود الأميركيين، ولكنهم مدّدوا الآجال في نهاية المطاف وبقي الجنود. وقد دام الاحتلال 20 عاماً لأن واشنطن غيّرت الهدف الأصلي وراءه. 
فإدارة جورج دبليو. بوش غزت أفغانستان حينما منحت حكومة الأخيرة في عهد طالبان تنظيم «القاعدة» ملاذا آمناً عقب الهجوم الذي شنّته على الولايات المتحدة. وقال إن الغزو يهدف إلى القضاء على وجود «القاعدة»، وذاك ما كان عموماً. فقد قُتل زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن في 2011 ولم يبق من تنظيمه الآن سوى بعض الفلول الإرهابية. غير أن بوش، ثم الرئيسين أوباما وترامب من بعده، لم يتوقفا عند ذاك النجاح. إذ عمدت واشنطن إلى رفع عدد الجنود الأميركيين إلى أكثر من 100 ألف جندي في 2011، وأقنعت الحلفاء في «الناتو» بإرسال 40 ألف جندي إضافي للانضمام إليهم. وقد قُلّصت أعداد الجنود لاحقاً، غير أنه لم تكن هناك مع ذلك أي مؤشرات في الأفق على نهاية وشيكة للحرب. 
أهم أسباب تمديد واشنطن للحرب هو أن «طالبان» انبعثت من جديد بعد هزيمتها في 2002، ما شكّل تحدياً للحكومة الأفغانية التي تدعمها الولايات المتحدة. وحسب لغة الجيش الأميركي، فإن التبرير لوجود الجيش الأميركي عموماً كان هو عملية محاربة التمرد ضد «طالبان»، إضافة إلى عملية محاربة الإرهاب الأصلية ضد «القاعدة». 
غير أنه كان هناك اختلاف واضح بين التهديدين. ذلك أن محاربة الإرهاب ضد «القاعدة» كان الهدف منه هو حماية الولايات المتحدة من هجوم خارجي على ترابها الوطني، في حين أن محاربة التمرد كانت تهدف إلى حماية الحكومة الأفغانية من تهديدات «طالبان»، وهم أفغان ولا يطرحون عادة أي تهديد للولايات المتحدة. وفقط حينما بقي الجنود الأميركيون في أفغانستان وحاربوها نيابةً عن الحكومة الأفغانية، بدأت «طالبان» في مهاجمة الجنود الأميركيين، ما منح واشنطن مبرراً لمحاربة «طالبان» والبقاء في أفغانستان. ولكن محاربة التمرد أثبتت أنها صعبة ومكلفة للغاية. 
المسؤولون الأميركيون شجّعوا الأفغان أيضاً على تبني نظام سياسي مركزي على الرغم من حقيقة أن الأفغان كان لديهم دائماً نظام لامركزي. وهكذا، فشلت محاولة فرض بعض الممارسات الحكومية الأميركية. 
بعض المسؤولين الأميركيين شعروا بأن هناك أسباباً إضافية للإبقاء على الجنود في أفغانستان. إذ حاجج مهنيون عسكريون رفيعو المستوى بأن هناك حاجة إلى أعداد كبيرة من الجنود من أجل دعم الحكومة الأفغانية المنتخَبة ديمقراطياً وكبح طالبان. وقالوا: إن طالبان ستدرك في نهاية المطاف أنها هُزمت عسكرياً وستستسلم وتقدّم تنازلات سياسية. وعندما لم يحدث ذلك، نصحوا بالتحلي بالصبر. 
بعض أنصار البقاء في أفغانستان الآخرين، وخاصة الدبلوماسيين والجنود الأميركيين الذين عملوا مع الأفغان في مهمات في ذاك البلد، حاججوا بأن الاستثمار الأميركي من حيث الأرواح والأموال يقتضي مواصلة الجهد حتى نهايته ليكلل بالنجاح. فقد مات أكثر من 2400 أميركي و40 ألف أفغاني خلال العشرين عاماً، وتضحياتهم «ينبغي ألا تكون من دون طائل».
هذا، في حين حاجج أميركيون آخرون بأنه ينبغي على الولايات المتحدة ألا تغادر هذا البلد، لأنها إن فعلت فإن «طالبان» بإيديولوجيتها المحافظة ستستولي على الحكم وتنسف المكاسب التي تحققت للنساء هناك وتحدُّ من تعليم الفتيات. 
إدارتا أوباما وترامب جرّبتا الدبلوماسية، وتفاوضتا مع «طالبان»، أملاً في التوصل إلى تسوية سياسية. وعُين زلماي خليل زاد، وهو دبلوماسي وسفير أميركي سابق إلى كابول والمولود في أفغانستان، مبعوثاً أميركياً، واستطاع إقناع «طالبان» بالجلوس إلى طاولة المفاوضات. وقد توصل إلى اتفاق معها في فبراير 2020، يقضي بانسحاب القوات الأميركية في غضون 9 أشهر ونصف الشهر شريطة ألا تهاجمها طالبان، ولكن ذاك الجهد توقف عندما خرقت طالبان الاتفاق. 
الآن وقد قرر الرئيس بايدن المغادرة، يتعين على إدارته أن تشرح قراره لأولئك الذين يرغبون في بقاء الجنود الأميركيين. قال بايدن: «لقد آن الأوان لوقف الحروب الأبدية». فأميركا «حققت منذ وقت طويل مهمتها الرئيسية المتمثلة في حرمان الإرهابيين (يعني «القاعدة» و«داعش») من ملاذ آمن»، ولهذا، يجب أن تغادر البلاد. وهكذا، تخلى بايدن عن جهد محاربة التمرد الذي دام سنوات طويلة لمساعدة الحكومة الأفغانية ضد طالبان. ويذكر هنا أنه حين كان نائباً للرئيس في عهد الرئيس أوباما، كان بايدن يشك في نجاح مهمة محاربة التمرد الذي يقوم بها الجيش. والآن كرئيس، اتخذ قرار الانسحاب لأنه يعتقد أن الجهد باء بالفشل. ففي رده على الحجة التي تذهب إلى أنه من خلال الإبقاء على الجنود في أفغانستان تستطيع الولايات المتحدة المساعدة على إرساء الاستقرار في البلاد وتحديثها، أجاب بايدن قائلاً: «لقد منحنا هذه الحجة عقداً من الزمن، ولم يثبت ذلك فعاليته... لقد أصبحت أسبابنا للبقاء في أفغانستان غير واضحة بشكل متزايد».
رد فعل الكونجرس الأميركي يتسم بالانقسام. فمعظم أعضاء حزب بايدن، الحزب الديمقراطي، يؤيدون القرار في حين يعارضه معظم الجمهوريين. ولكن هذا لن يغيّر قراره. 
وفي الأثناء، يشعر الكثير من الأفغان بالقلق بشأن ما سيحدث حينما يغادر الأميركيون. والرئيس الأفغاني أشرف غني كان غاضبا في المجالس الخاصة على ما قيل لأنهم يعتزمون الانسحاب، ولكن في العلن أبدى تفهماً إزاء قرار بايدن وقال إن بلاده «تحترم القرار الأميركي وسنعمل مع شركائنا الأميركيين لضمان عملية انتقال سلسلة». 
الجنود الأميركيون الـ2500 المتبقون وجنود «الناتو» الـ7 آلاف سيغادرون أفغانستان، ولكن مستقبل استقرار البلاد غير مضمون. صحيح أن بايدن سيُبقي على بعض قدرات محاربة التمرد في أفغانستان وبالقرب منها. والرئيس غني قال إن قوات بلاده الأمنية «قادرة على الدفاع عن شعبها». ولكن الخبراء الأميركيين ليسوا واثقين من ذلك تماماً. وقد حاولت إدارة بايدن طمأنة الحكومة الأفغانية وشعبها بأنه رغم سحبها الجنود، إلا أن أميركا لن تتخلى عن بلدهم كلياً. ولإعطاء تطمينات، سارع وزير الخارجية بلينكن إلى زيارة أفغانستان مباشرة بعد الإعلان وعبّر عن الدعم الأميركي لحكومتها وشعبها. وقال إنه جاء «لكي أثبت بزيارتي التزام الولايات المتحدة المتواصل إزاء الجمهورية الإسلامية والشعب الأفغاني». ومثلما قال بلينكن، فـ«إن الشراكة تتغير، ولكن الشراكة نفسها مستمرة». والأكيد أن المستقبل وحده سيبين ما يعنيه بذلك.