جاء تعهد عدد من الدول بتقديم مساعدات للهند في شكل أوكسجين طبي وعقاقير وأدوية ومعدات طبية في وقت يرزح فيه هذا البلد الذي يقارب عدد سكان مليار و400 مليون نسمة تحت وطأة موجة مدمّرة وغير مسبوقة من وباء كورونا، أصبحت معها المستشفيات تعاني من نقص حاد وحرِج في الأوكسجين وفي باقي المستلزمات الطبية.
ويأتي هذه التضافر الدولي بعد وقت قصير من إعلان الإدارة الأميركية عن عزمها تقديم المساعدة للدول الأخرى من خلال توفير عشرات الملايين من جرعات التطعيم، ومن خلال دعم القدرة الإنتاجية للتطعيمات في بعض الدول، على الرغم من مخاوف بعض الخبراء في الإدارة من أن الولايات المتحدة نفسها قد تحتاج إلى تلك الجرعات، إذا ما استمر الفيروس في تحوره لأصناف جديدة أو إذا استمر الوباء الحالي لفترة أطول من المتوقع.
وتندرج هذه المبادرات الدولية والأميركية، تحت ما أصبح يعرف بدبلوماسية التطعيمات (Vaccine Diplomacy)، والتي تشير إلى فكرة استخدام التطعيمات لتقوية العلاقات الدبلوماسية بالدول الأخرى، وزيادة وزن تأثيرها، وتحقيق مصالحها في الساحة العالمية، ضمن ما يعرف بـ«القوة الناعمة».
ورغم أن هذا المصطلح عاد للظهور مؤخراً، مع اجتياح الوباء الحالي لدول وقارات العالم، إلا أن له جذوراً تاريخية، ربما كان من أهمها الدعم المالي والفني للتطعيم ضد فيروس الجدري، والذي أدى في النهاية للقضاء على هذا الفيروس كلياً.
وبالفعل سارعت العديد من الدول التي نجحت مبكراً في تطوير تطعيمات حصلت على تصاريح بالاستخدام الطارئ، مثل روسيا والصين، بتوظيف اختراقاتها العلمية في هذا المجال على صعيد السياسة الدولية والعلاقات الدبلوماسية. بينما وظفت دول أخرى، تتمتع بقدرات إنتاجية هائلة، مثل الهند التي تمتلك أكبر طاقة في العالم لإنتاج التطعيمات، إمكانياتها تلك في تحقيق نفس الأهداف على الساحة الدولية.
وعلى الجانب الآخر، تسبب تطعيم «آسترا-زينيكا»، وهي شركة بريطانية سويدية، في أزمة دبلوماسية بين دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، بناءً على ما يراه الاتحاد الأوروبي من فقدان عدالة التوزيع لما أنتجته الشركة من جرعات حتى الآن، بين بريطانيا وباقي دول الاتحاد. وهو ما أدى إلى توتر في العلاقات الدبلوماسية بين الجهتين، ووقف تصدير جرعات التطعيم المصنعة في الدول الأوروبية إلى الخارج عدة مرات، ودفع بالمفوضية الأوروبية مؤخراً لمقاضاة الشركة، متهمةً إيّاها بمعاملة بريطانيا معاملةً تفضيليةً، وعدم الوفاء بالتزاماتها التعاقدية لدول الاتحاد.

*كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية