إن كان لي أن أختصر في كلمتين اثنتين، محتوى اللقاء التلفزيوني الذي ظهر به ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قبل يومين، فسأقول بلا تردد: «معادلة الاعتدال». ليس السعي إلى الاعتدال فقط، وإنما معادلة الاعتدال.
ففي الجانب الاقتصادي الذي أسهب الأمير محمد بن سلمان في الحديث عنه كثيراً، كانت «معادلة الاعتدال» حاضرة في كل تفصيل. تحدث عن الفرص الاقتصادية الكبيرة غير المستغلة منذ عقود بسبب الاعتمادية الكاملة على النفط، مشيراً في هذا الشأن إلى أن السعودية الجديدة لن تتوانى عن انتهاز أي فرصة اقتصادية جيدة ترفد ميزانيتها العامة أو تساهم في رفاه المواطن ورخائه. أكد الأمير في أكثر من مناسبة خلال اللقاء أن الهدف المستقبلي للسعودية هو إعادة رسم خريطة النفط لتكون إحدى مصادر الدخل للبلاد وليس المصدر المهيمن المهمش لبقية المصادر الأخرى. النفط السعودي، وإن كانت حظوظه سترتفع في المستقبل القريب بسبب خروج بعض المنافسين الكبار، سيظل حاضراً في «معادلة الاعتدال» الاقتصادية السعودية، بجانب مصادر دخل رئيسية أخرى قد يكون لها الأثر الأكبر قريباً على الميزانية السعودية.
وفي الجانب الديني، كان الحديث واضحاً عن قدر السعودية المستقبلي في أن تكون هي الصورة الحقيقية للإسلام الذي جاء به محمد، صلى الله عليه وسلم، فهي قبلة أنظار وقلوب أكثر من 1600 مليون مسلم لخمس مرات يومياً، وهي نقطة الملتقى لعشرات الملايين من «المسافرين إلى بيت الله» سنوياً. الإسلام هو في الأساس دين اعتدال ومحبة وتسامح كما أشار الأمير محمد لذلك ضمناً، وسيبقى دور السعودية في المستقبل منصباً على حماية هذه الحقيقة من خلال محاربة التطرف إن داخلياً أو خارجياً.
أما على الجانب الاجتماعي، فكان حديث الأمير محمد عن الهوية السعودية يدور أيضاً حول «معادلة الاعتدال». الهوية السعودية ليست ضعيفة ولا هشة وليست قابلة للكسر عند اتصالها بالهويات العالمية الأخرى، بل ستزداد قوة ومتانة. وستؤثر بقدر ما تتأثر حال انفتاحها على العوالم الأخرى، وهذا ما سيجعلها في حركة دائمة نحو التطور والتجدد. السعوديون يعتزون كثيراً بقيمهم العربية والإسلامية، لكن ذلك لا يمنعهم من أن يتكاملوا مع الهويات العالمية الأخرى تحت مظلة هوية كونية واحدة جامعة.
وأخيراً كان حديث الأمير محمد بن سلمان عن القضايا السياسية في قلب «معادلة الاعتدال» نصاً وروحاً. ومن أهم ما تطرق له اللقاء في هذا الجانب هو تركيز الأمير على الاعتدال في العلاقات الدولية من خلال الالتزام بـ«ميثاق الأمم المتحدة» الذي ينص في أحد أهم بنوده على احترام سيادة الدول. وكذلك حديثه عن «نزعة الحوثي العروبية» التي من الممكن، أن «تعادل» وجود هذا المكون - الذي استولى على السلطة بشكل غير شرعي - مع المكونات اليمنية الأخرى. ولم ينس الأمير بالطبع الحديث عن موازنة علاقات الرياض الخارجية شرقاً وغرباً بما يضمن المصالح السعودية في كل زمان ومكان. إنه حديث التوازن بكل بساطة، فلا أحلام اقتصادية غير قابلة للتحقق، ولا مشاريع سياسية خارج «معادلة الاعتدال».

* كاتب سعودي