من كان منا يأمل في أن تهدأ أميركا، لأنه لم يعد هناك دونالد ترامب لنشر السم من المكتب البيضاوي، فقد تحرروا من الوهم. هناك مؤشرات متزايدة على أن القاعدة الترامبية تتجه إلى التطرف. فقد أشار أصدقائي «الجمهوريون» إلى وجود انقسامات عنيفة في كنائسهم وعائلاتهم. ويتحدث الساسة الجمهوريون الذين لا يتبعون خط ترامب عن تهديدات بالقتل وهجمات لفظية تحمل تهديداً.
ويبدو الأمر كما لو أن قاعدة ترامب كانت تشعر ببعض الأمن عندما كان رجلهم في القمة، وقد انتهى ذلك الآن. ربما كان ترامب هو القوة المقيدة.
يمكن وصف ما يحدث بأنه نوبة ذعر سامة. منذ انتهاء الانتخابات الأخيرة، قررت قطاعات كبيرة من اليمين الترامبي أن أميركا تواجه أزمة لم يسبق لها مثيل وأنهم جيش صغير من المحاربين يقاتلون لضمان بقاء البلاد كما يتصورونها.
وقالت منظِمة الاستفتاءات «كريستين سولتيس» إنها عندما سألت الجمهور في أواخر يناير عما إذا كانت السياسة تتعلق بـ«سن سياسة عامة جيدة» أم بـ«ضمان بقاء البلاد كما نعرفها»، اختار 51% من الجمهوريين المؤيدين لترمب بقاء البلاد بينما فضّل 19% فقط السياسة.
إن مستوى التشاؤم الجمهوري مرتفع للغاية. وقد سأل استطلاع للرأي أجرته «الإيكونوميست» وموقع «يوجوف» في فبراير الماضي، الأميركيين: أي العبارتين هي الأقرب إلى وجهة نظرهم: «إنه عالم كبير وجميل، معظمه مليء بالأشخاص الطيبين، ويجب أن نجد طريقة لاحتضان بعضنا بعضاً وعدم السماح لأنفسنا بالعزلة»، أم «حياتنا مهددة من قبل الإرهابيين والمجرمين والمهاجرين غير الشرعيين، ويجب أن تكون أولويتنا حماية أنفسنا»؟ فاختار أكثر من 75% من ناخبي بايدن «عالم كبير وجميل»، واختار ثلثا ناخبي ترامب «حياتنا مهددة».
هذا المستوى من الإحساس بالكارثة، وربما اليأس، غذى عقلية المحارب لدى أنصار ترامب. «المحترمون يعرفون أنهم يجب أن يصبحوا قساة. يجب أن يصبحوا كالكوابيس»، كما كتب «جاك كيرويك» في المجلة الترامبية «العظمة الأميركية». وأضاف كيرويك: «يجب على الرجل الصالح ألا يدخر لحظة ليتدرب، جسدياً وعقلياً، ليصبح الوحش الذي قد يحتاج إليه لذبح الوحوش التي تفترس الضعفاء». ومن خلال وجهة النظر هذه، لم يكن تمرد 6 يناير انزلاقاً صادماً إلى الفوضى، ولكنه تدريب على الحرب المقبلة. بعد أسبوع من الحصار، قال ما يقرب من ربع الجمهوريين الذين شملهم الاستطلاع، إن العنف يمكن أن يكون مقبولاً لتحقيق أهداف سياسية. وقد جمع «ويليام سالتان»، من مجلة «سليت»، مؤخراً الأدلة التي تظهر عدد السياسيين الجمهوريين الذين يشيدون الآن بحشد 6 يناير، ويصوتون ضد القرارات التي تدينهم.
تقوم الديمقراطية الليبرالية على مستوى من التفاؤل والإيمان والشعور بالأمن. إنها تستند إلى الثقة في المشروع الإنساني: أنه من خلال المحادثة واللقاء، يمكننا أن نعرف بعضنا بعضاً بعمق من خلال وجهات النظر المختلفة، وأن معظم الناس يبحثون عن الخير بآراء مختلفة حول كيفية الوصول إلى هناك، وأن المجتمع ليس حرباً محصلتها صفر، بل محادثة ومفاوضات.
وكما كتب «ليون فيزلتيير» في مجلة «ليبرتيز»، كان جيمس ماديسون متفائلاً ومتشائماً في نفس الوقت، وكان واقعياً ومثالياً. يفهم الليبراليون الفلسفيون -سواء أكانوا على الجانب الأيمن من الطيف السياسي أو اليسار- أن الناس لديهم مصالح أنانية، لكنهم يؤمنون بالديمقراطية والمحادثة المفتوحة، لأنهم يثقون في قدرات الناس على تحديد حياتهم، والاهتمام بأشخاص ليسوا مثلهم. للحفاظ على تقدم المجتمع.
ومع تشاؤمهم العميق، يبدو أن الجناح الشعبوي المفرط في الحزب الجمهوري قد تحطم بفعل الليبرالية الفلسفية ليهوي في هاوية الاندفاع الاستبدادي. لم يعد العديد من هؤلاء الأشخاص يعملون في المجال السياسي. كان رد فعل الجمهوريين على أجندة بايدن ضعيفاً لأن القاعدة لا تهتم بمجرد التشريع، بل فقط بمكانتهم الثقافية.
على مدى العقد الماضي، ومع ظهور الليبرالية وإلغاء الثقافة، نشأ داخل الجامعات ومؤسسات النخبة تيار على اليسار، فظهرت عشرات المنشورات والمنظمات. لقد رسموا خطاً فاصلاً بين التقدميين الذين يؤمنون بمعايير حرية التعبير الليبرالية وأولئك الذين لا يؤمنون بذلك.
هناك مجلات وحركات جديدة ومتغيرة مثل «أميركان بيربوز» و«بيرسويشن» و«ليبرتيز».. وغيرها تشير إلى تجاوزات حركة العدالة الاجتماعية والتمايز بين أولئك الذين يعتقدون أن الكلام هو استكشاف متبادل للبحث عن الحقيقة ومن يعتقد أن الكلام هو هيكل للسيطرة لإدامة أنظمة الامتياز.
وهذا هو بالضبط رسم الخط الذي يواجه اليمين الآن، والذي يواجه تهديداً أكثر جذرية. يحتاج الجمهوريون والمحافظون الذين يؤمنون بالمشروع الليبرالي إلى التنظيم ورسم خط مشرق بينهم وبين المتعصبين الذين هم في جانبهم. لم يعد الأمر يتعلق فقط بترامب الرجل، بل بكيفية النظر إلى الواقع، هل هو الفوضى كما هي الحال دائماً، أو كمنطقة من الجحيم المروع؟ يتعلق الأمر بكيفية السعي لإحداث تغيير من خلال الحوار والوصول إلى تسويات سياسية، أو من خلال التخويف باستعراض للعضلات.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»