التحدي عالمي وعابر للحدود والأوقات. ويعد التنبؤ بمساره غير خاضع للأساليب والمنهجيات التي تعودت عليها البشرية لكون مدخلات المعادلة لا تضمن نوعية المخرجات، وهي في تغير دائم ومبهمة في الغالب. والأمر برمته أكبر من مجرد توفر الإمكانيات والموارد والحد من انتشار الوباء على المستويات المحلية والدولية، وذلك لطبيعة حياة المجتمعات المعاصرة. الوباء دائم التحور وبالتالي كان مهماً وجود مديري أزمات وكوارث في جميع التخصصات، وقيادات استثنائية قد تم تأهيلها لمواجهة مثل هذه الأزمات المركبة والمتزامنة والمتسارعة، والتي تتعاقب تباعاً. وكسر هيمنة العقول المتشابهة في أنماط التفكير وصنع القرار، وليس المهم بروز قيادات جديدة من رحم الأزمة، وإنما قيادات جديدة مؤثرة والتناوب في القيادة لمعالجة التحدي من زوايا مختلفة، وهذا ما لم يحدث في معظم دول العالم، مع ضعف في تقييم التأثير الداخلي بكل مكوناته، والتأثير الخارجي بكل أبعاده، بصورة يومية، والتعامل مع الوباء من منطلق فن إدارة الحد من مخاطر الكوارث.
فمن الضروري تأكيد القدرة على التكيف وتقبل النقد وتحويله لبوصلة وخطة عمل للمعالجة، وفهم أن جعل الأزمة تمتد على نفس الوتيرة من الضغوط لفترة طويلة هو فخ لارتكاب الأخطاء الفادحة والاستسلام للأمر الواقع من قبل العاملين والشعب ككل، ولذلك من الضروري أن يأخذ القادة استراحة مقاتل حتى وسط اشتداد الأزمة، ووجود الصف الثاني والثالث يؤكد أن المنظومة والنظام هو من يُسيّر الجميع بدقة الساعة.
ففي إدارة الأزمات المتشابكة طويلة الأمد، والتي تتداخل مع الكوارث يجب تجنب الثقة الزائدة في النفس، والاحتفالات المبكرة بالنصر، ووهم المسلمات واليقينيات، وحتى العلمية منها مع إبراز الإحصائيات الدقيقة التي تجعل الشارع جزءاً من الحل، وليس جزءاً من المشكلة، والتطرق الصريح والمستمر لخطر وصول القطاعات العاملة في خط الدفاع الأول لمرحلة الانهيار البدني والذهني والمعنوي، والوصول لحافة الإرهاق الكلي الذي يشل القطاعات الحيوية ويمنعها من أداء واجباتها على أكمل وجه، ناهيك عن استنزاف الموارد المتاحة والاحتياطية والمخطط لها، ووصول العالم إلى أعتاب انهيار اقتصادي غير مسبوق وعجز في الميزانيات العامة لأكبر الاقتصادات في العالم، وبالتالي أهمية فهم الصورة الكلية للتهديد خلف الوباء، وهو دور الحكومات التي تتخذ إجراءات وقائية لا تنتظر على إثرها موافقة الجمهور، الذي لا يمتلك كل المعلومات عن الأزمة وأهمية حماية الجمهور من نفسه من خلال قرارات قد لا تبدو عادلة أو ضد الحرية الشخصية، ولكنها ضرورة قصوى لحماية الأرواح والحفاظ على الموارد الوطنية وسيادة الدولة واستقرارها.
فمنذ الشرارة الأولى لتفاقم الوضع توضع الأولويات لجميع مؤسسات الدولة والشعب كذلك بكل أريحية وشفافية، وشرح القرارات وأهميتها بأسلوب علمي مشوق يفهمه الصغير والكبير والمتعلم وغير المتعلم، وكل فئات المجتمع والبدء في ممارسات واشتراطات الانتعاش وإعادة البناء قبل التعافي، والذي هو دائرة لا تنتهي وتحديد فرص النمو وتقسيم فرق إدارة التغيير على المستوى المؤسسي والشعبي، وفرق إدارة المخاوف ورفع الروح المعنوية وفرق التطوع المتحركة بين الهوامش وبين أفراد المجتمع كخط دفاع مجتمعي أول يساهم في إدارة الأزمة ونشر الوعي بين السكان، ولذلك المسؤولية الوطنية المشتركة بين الشعب ومؤسسات الدولة هي العمود الفقري للحفاظ على سلامة الناس، وهي الأولوية الأولى التي لا يساوم عليها.. وإنْ كان خلال الأزمات من الطبيعي أن تدخل أدمغتنا في وضع «الطيران أو القتال». وهذا يمكن أن يعوق اتخاذ القرارات أو التشكيك فيها ولكن لا يجب أن يكون عائقاً أمام تسوية منحنى الإصابات، والذي قد يعود للارتفاع على يد فواعل غير متحكم بها. وهنا لابد من التكاتف الوطني من خلال الممارسات الاجتماعية المسؤولة، وتبني آليات استباقية والتعلم من أخطاء الآخرين، وما حدث في الهند مثال حي على تغليب القيم الشخصية والعادات الاجتماعية على صوت العقل، حيث كانت الاحتفالات الدينية والشعبية السنوية في مواسم الاحتفالات واختلاط ملايين الناس أحد أسباب تفشي الوباء في الهند بصورة كارثية.