خلال الجولة الأخيرة من مباحثات فيينا، أشار عباس عراقجي، كبير المفاوضين الإيرانيين لأمرين، الأول قوله «نحن نعتقد أن النص الذي عرضناه يمكن أن يشكل أساساً جيداً للمفاوضات»، أما ثانيهما، فهو استحضار مقولة للمرشد خامنئي «لا نرغب في مفاوضات استنزافية وطويلة الأمد بتاتا». الدلالات هي ما يجب أن تستوقفنا، فهل قررت طهران التخلي عن استراتيجية (الاستنزاف الزمني)، وقد كانت أداتها المثلى خلال المفاوضات من 2003 وصولاً لتوقيع اتفاق 2015. وهل سبب ذلك هو الواقعية السياسية (الدفاع عن المكتسبات المتحققة)، أو أن ذلك هو إنفاذ لاستراتيجية الضامنين (بكين وموسكو).
طهران ستستمر في محاولة خلط كل الأوراق، إلا أن أهدافها الاستراتيجية لن تتغير، وأولها إعادة تأهيل نظامها السياسي دوليا (تماثل الندية)، ثانياً، توازن مقبول دون التضحية بالمكاسب السياسية (الاعتراف بمصالحها القومية ضمن تعريفها لعمقها الاستراتيجي)، ثالثاً، ضمانات الاحتواء الداخلي سياسياً، اقتصادياً واجتماعياً.
أولى أدوات طهران في خلط الأوراق هو تسخين الأجواء المصاحبة للمفاوضات بشكل مباشر وغير مباشر (العراق، سوريا، اليمن/ أمن الملاحة في هرمز وباب المندب). أما معنوياً، فهي ستوظف الانتخابات الرئاسية الإيرانية (محافظين رافضين للتفاوض بمقياس أحمدي نجاد، وإصلاحيين بمقياس حسن روحاني)، ففي حين أن ليس لأيهما ذلك الثقل في صناعة القرار الاستراتيجي حالياً، إلا أن مستقبل الصراع على ما يمثله موقع المرشد من الإعراب السياسي إيرانياً هو دافع الكتلتين للتموضع السياسي من هذا الملف الآن.
أما فيما يخص حالة التصعيد القائمة بين طهران وتل أبيب، فذلك أمر مقبول سياسياً من قبل طهران، فذلك يحقق واقع حالة «الندية السياسية» بين طهران والقوى الدولية، وصراع نسبي بشكل مباشر مع القوة النووية الأكبر إقليميا (إسرائيل). فهو متصل بشكل مباشر بطاولة المفاوضات خصوصاً بعد ما أشيع عن فشل الدفاعات الجوية الإسرائيلية في اعتراض صاروخ استهدف محطة الطاقة النووية في ديمونة. وقد سبق ذلك تقديم إسرائيل إحاطة لمجلس الأمن حول تطور منظومة إيران البالستية من حيث المدى/ دقة التوجيه الملاحي/ الرأس الحربية. وطهران تدرك أهمية التوازن (النسبي) في قدرة الردع في مواجهة إسرائيل معنوياً، وخصوصاً بعد نجاح الأخيرة في تحقيق اختراقات أمنية كبرى على حساب برنامج إيران النووي في شقه العسكري. 
وبالعودة لمقولة المرشد في أن إيران ليست في وارد الدخول في مفاوضات طويلة، قد يبدو أن مرد ذلك الاعتراف الدولي بحقها في احتواء مهددات استدامتها إيرانياً، وضمن ما تُعرفه طهران بعمقها الاستراتيجي. فطهران تواجه تحديات مباشرة في أهم مناطق استحواذاتها السياسية (العراق)، من قبل ما مثل سابقاً أهم أدواتها السياسية (مكونه الشيعي). ثانياً فشلها في تخليق انموذج سياسي قابل للاستدامة (سياسيا واجتماعيا) ضمن ما توافق عليه الموقعين على اتفاقية 2015 من عمق استراتيجي طبيعي لها.
قد يمثل ما سبق التوطئة غير المعلنة بين الأطراف المتفاوضة في فيينا رغم ما يرشح من بعض العواصم، إلا أن توافق توقيت إعلان الرياض رفضها للتعنت الإيراني، وكذلك إعلان تل أبيب أنها لم تعد معنية بمسارات التفاوض في حال لم تأخذ الاعتبارات الأمنية لإسرائيل، يعد تطوراً يجب عدم تجاهله من الأطراف المتفاوضة مع طهران. كذلك، يجب الاعتراف بضرورة التوافق الدولي على حاجة المنطقة للدخول في مرحلة انتقالية قادرة على تأمين كل مقتضيات إعادة الاستقرار. 

* كاتب بحريني