في مناسبة الذكرى الـ75 لجلاء المستعمر الفرنسي، وفي إطار الصداقة الوطيدة بين الجيشين السوري والروسي (وفق وكالة سانا الرسمية)، أقيم في القاعدة العسكرية الروسية بحميميم احتفال مركزي بمشاركة فعاليات رسمية وشعبية روسية، وبحضور العماد علي أيوب نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع وعدد من كبار الضباط. وقال أيوب بالمناسبة: «إن حرص القيادة الروسية على إحياء العيد الوطني السوري في قاعدة حميميم، يؤكد عمق علاقاتنا الثنائية ومتانتها»، وأضاف: «الشعب السوري مازال صامداً رغم الحصار والعقوبات، وسيبقى كذلك حتى تحقيق الجلاء الأكبر بالقضاء على الإرهاب، وخروج آخر محتل دخيل، ولاسيما الأميركي والتركي». أما قائد القوات الروسية فأكد على «حق الشعوب في النضال وتحرير أرضها من الاحتلال»، مشدداً على «استمرار التعاون مع القوات المسلحة السورية حتى تطهير كامل الأراضي السورية من الإرهاب». 
وقد شهدت خريطة السيطرة العسكرية في سوريا تغيرات كبيرة خلال السنوات العشر الماضية. ويتبين من أحدث خريطة أعدها «مركز جسور للدراسات» السوري، أن الحكومة حافظت على 63.38% بفضل الدعم الكبير من حلفائها وعلى رأسهم روسيا، مقابل 25.6% تحت سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» بدعم من القوات الأميركية، أما المعارضة الأخرى المسلحة فاقتصرت سيطرتها على 10.98%. ويعود ثبات خطوط التماس إلى سلسلة عوامل خارجية وداخلية تتعلق بتفاهمات بين روسيا وأميركا وتركيا. وقد تم التفاهم على رسم خط تباين نظري هو نهر الفرات، بحيث يكون طرفه الشرقي لأميركا وحلفائها، وطرفه الغربي لروسيا وحلفائها. وأبقت واشنطن على قاعدة شرق سوريا، ومنبج على الحدود التركية.
ولعل من أهم الأهداف التي حققتها روسيا في سوريا كونها استطاعت إرساء استقرار في جزء من منطقة الشرق الأوسط التي تتماس معها في الكثير من الملفات والمصالح، وأقامت علاقات جيدة مع بعض الدول، وأحياناً التحالف، حتى أصبحت مواقعها أكثر استقراراً، كما رسّخت نفوذها السياسي والعسكري (لمدة 49 عاماً قابلة للتمديد) لحماية مصالحها الاقتصادية التي تشمل استثمارات كبيرة في مشاريع الطاقة من نفط وغاز وخطوط أنابيب، وسجلت خطوات متقدمة بعقد اتفاقات اقتصادية وتجارية وعسكرية وصفقات أسلحة مع كل من إيران وتركيا، واستطاعت عرقلة عدة مشاريع أميركية. 
ومن الطبيعي أن يساعد هذا الاستثمار الروسي في سوريا على تعزيز مصالح روسيا في العراق بعدما وقّعت شركة «سترويتر إنسغاز» اتفاقاً لإعادة بناء خط كركوك بانياس الذي يمتد إلى الساحل اللبناني لتشغيل واستثمار منشآت النفط في طرابلس بموجب ما التزمت به شركة «روسنفت»، إضافة إلى حصة شركة «نوفاتيك» باستثمار البلوكين اللبنانيين رقم 4 في الشمال ورقم 9 في الجنوب. وتتطلع الشركات الروسية إلى مزيد من الاستثمارات في لبنان، خصوصاً في إعادة إعمار مرفأ بيروت وتطوير مرفأ طرابلس، مستفيدةً من مضاعفة روسيا اهتمامها بالوضع السياسي اللبناني، واستضافتها لقاءات لبعض القيادات، مساهمةً منها في الجهود الهادفة لتشكيل حكومة إنقاذ للوضع الاقتصادي المتدهور.
ومع تأكيد موسكو على عمق صداقتها مع لبنان، فهي تعتبره يمثل العمق الإستراتيجي لسوريا. وإذا كانت تحظى باعتراف دولي بدورها ونفوذها، فإنها تدرك جيداً أن الساحة اللبنانية هي ساحة نفوذ أميركية. لذلك فإن تحركها متمثلا في استضافة السياسيين اللبنانيين لا يصل إلى مستوى «المبادرة» التي يحكمها أحد عاملين رئيسيين: إما حصول تفاهم مع واشنطن حول المهمة المطلوبة، أو في حال انعكست أزمات لبنان سلباً على الوضع في سوريا، بما يؤدي إلى تهديد المصالح الروسية.

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادي