في تدوينته عبر «تويتر»، وبعد متابعته لأولى محاضرات شهر رمضان المبارك، والتي جاءت تحت عنوان:«الأخوة الإنسانية والتسامح..رسالة الأديان»، بعث صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، للعالم رسالة ينبغي التوقف أمامها بتفكير عميق، وذلك حين اعتبر أن جوهر الأديان يتمثل في الأخوة والتسامح، وأن علينا جميعا تجسيد هذه المعاني لأجل خير البشرية، فيما الوصية الرئيسة في تعليقه موصولة بالأجيال القادمة، والتي يتوجب أن نترك لها عالما من دون أحقاد أو كراهية.
غيّرت الإمارات العربية المتحدة إحداثيات العالم في العامين الماضيين، وبخاصة بعد أن بشرت العالم بنسق جديد من العلاقات البشرية، نسق كان يعد قبل خمسة عقود ضرب من ضروب الخيال، حيث يجاور أبناء إبراهيم الخليل بعضهم البعض، مقيمين الحوار ومنشدين العمل من أجل مستقبل يخلو من الضغائن وتغيب عن سماوته علائم الكراهية.
في ستينات القرن الماضي، ومدفوعا بمرارة ما خلفته الحرب العالمية الثانية، والأسى الذي فاق المعقول والمقبول، ارتفع صوت الفيلسوف الفرنسي الوجودي، جان بول سارتر، مندداً بالآخر ومعتبراً أنه الجحيم.
اليوم تسعى القيادة السياسية للإمارات، تلك التي ورثت معيناً صافياً رقراقاً من التسامح والكرم والشهامة العربية، إلى دفع العالم عبر مسارات الوفاق والاتفاق، وهذه كفيلة من دون أدنى شك في خلق أخوة وصداقة اجتماعية، تغير وجه العالم.
أظهرت جائحة كوفيد -19 وجهين للبشرية، الأول تمترس وراء الحدود والحواجز، مغلباً نظرية، أنا ومن بعدي الطوفان، الأمر الذي ولّد أحقاداً سترثها أجيال قادمة ومن أسف، ونموذج آخر أكثر تضامنا وتعاونا مع المعوزين والمتألمين، ما سيترك دروبا للمحبة في القلوب، وذكريات خلاقة ممزوجة بطابع المودات في العقول، وليس سرا أن حظ الإمارات كان الوجه الثاني الخلاق.
باتت رسالة الأديان، في بث روح التسامح، وتعبيد دروب الأخوة، قولا وفعلا قناعة تكتسب عمقا وواقعية يوما تلو الآخر، ولم تعد مجرد كلمات دعائية، أو أنشطة دبلوماسية، بل أضحت ضرورة حياتية تستنقذ أمماً وشعوباً من نيران الكراهية المتولدة من جديد عبر حركات شعبوية، وراديكاليات تستدعى من الماضي، لتجعل حقول القمح مليئة بالزؤان.
لا مستقبل للعالم مع الكراهية، وما من أنسنة إلا عبر المبادرات التي تتمحور حول الإنسان بوصفه القضية والحل، ولعل من يتعمق في معاني ومباني رسالة البابا فرنسيس، عن الاخوة والصداقة، الصادرة في الثالث من أكتوبر 2020 في مدينة أسيزي بإيطاليا، يدرك أن العالم لا يزال قائما على الخير، من جراء النفوس الصالحة التي تدعم المسيرة الأخوية، يدا بيد، مهما بدا الدرب عثر، والضوء خافت، لكن هناك بصيصا قائما عند نفق الأحداث المظلمة التي يمر بها عالمنا، ونكاد نغرق جميعا معها في يم العداوات.
تجربة الإمارات تكتسب مصداقية يوماً تلو الآخر إقليميا وعالميا، إذ تنطلق من عند الحاجة إلى فقه المحبة، الإرث الذي يغني عن عوالم الأحقاد والكراهية. 

* كاتب مصري