تثير الإحاطة الأخيرة التي قدمها مارتن جريفيث المبعوث الأممي لليمن إلى مجلس الأمن في منتصف الشهر الجاري مجدداً الأسئلة حول جدوى هذه الآلية لتسوية الصراعات عموماً وفي اليمن خصوصاً. ولا ننسى أن المبعوث الأممي لليمن الأسبق، حين وقع الانقلاب الحوثي، كان وسيطاً في إسباغ الشرعية على الانقلاب من خلال «اتفاق السلم والشراكة». والحقيقة أن الإحاطة لا تشير إلى أي تقدم أو حتى جديد من أي نوع، فهي تبدأ بالحديث عن أبعاد معاناة اليمنيين من تقطع في التعليم والحرمان منه، ومحدودية فرص العمل أو غيابها، ومشكلات استيراد الوقود وتداعياتها على ارتفاع أسعار السلع، والمعاناة في الحصول على الكهرباء، وجائحة كورونا، وتآكل مؤسسات الدولة.. وكلها ظواهر يعرفها القاصي والداني دون حاجة إلى مبعوث أممي. ثم يشير المبعوث في تقريره إلى أن أغلب اليمنيين يصرون على أن إنهاء الحرب هو أهم الأهداف، وأن هذا إجماع موجود في كل النزاعات، وهي نظرة مثالية تتجاهل وجود أطراف محلية وإقليمية على الأقل صاحبة مصلحة في استمرار الصراع، ودون الاعتراف بهذا سوف يكون من غير المجدي الاستمرار في جهود التسوية. وتستمر النظرة المثالية في التقرير بالإشارة إلى أن الصراع في اليمن يتميز بأن المجتمع الدولي كما يمثله مجلس الأمن يقف خلف الحل السياسي التفاوضي، وهو كما نعلم إجماع شكلي ينطوي على اختلافات في المواقف تجاه أطراف الصراع المحلية والإقليمية، بدليل أن المجلس لم يستطع حتى الآن أن يضع قراره الشهير رقم 2216 موضع التطبيق. ثم يتجاهل التقرير جوهر الصراع، ولعل هذا في حد ذاته امتداد للنظرة المثالية، وذلك بالإشارة إلى أن هناك سبباً آخر للأمل في تسوية الصراع يجعله مختلفاً عن غيره من النزاعات، وهو أن طريقة إنهاء الحرب معروفة ونوقشت عناصرها الأساسية مراراً مع الطرفين، وتركز على تلبية الاحتياجات الإنسانية وإجراءات بناء الثقة وإنشاء قنوات اتصال مستدامة كي لا تعود الحرب من جديد. وتسترشد هذه الجهود بالخبرات التفاوضية السابقة في جنيف والكويت واستوكهلم، ولذلك تدعو إلى وقف إطلاق نار شامل وليس جزئياً (كما حدث في حالة الحُديدة)، وتصر على موعد محدد لإطلاق العملية السياسية، وكل ما تحتاجه هو موافقة الطرفين على الاتفاق! 

وهكذا يستمر الملمح المثير للدهشة في الجهود الأممية لتسوية الصراع، وهو تجاهل مسألة الشرعية تماماً، والتي انتصر لها بوضوح قرار مجلس الأمن 2216، والتعامل مع طرفي الصراع من منظور الأمر الواقع، وهي سمة خطيرة لجهود أممية يُفترض أن تنطلق أساساً من اعتبارات الشرعية.
ثم ينتهي التقرير بالجزء الألطف، وهو الحلم بما سيحدث في «اليوم التالي» للوصول للاتفاق؛ كإزالة عوائق دخول السفن ميناء الحديدة، وتوجيه حصيلة الإيرادات المتحصلة من ذلك لدفع رواتب الموظفين، وعودة الرحلات الجوية لمطار صنعاء، وعودة الطلاب لديارهم وسفر المرضى للعلاج، وفتح الطرق والسماح بمرور البضائع وبالذات الإنسانية، وعودة حرية الانتقال، وعودة الأطفال لمدارسهم والعمال لأعمالهم.. فيما يذكرنا بقصة «بائعة اللبن» الشهيرة!
وهكذا نجد أنفسنا من بداية التقرير لنهايته إزاء تقرير وصفي يتجاهل مسألة الشرعية ومصالح أطراف الصراع المحلية والإقليمية بل والدولية، ويتغافل عن توظيف الحوثيين في المفاوضات الحالية حول البرنامج النووي الإيراني، ولا يشير لأعمالهم العدوانية المستمرة للاستيلاء على مأرب إلا باعتبارها تجدداً للقتال من حين لآخر، ويتحدث ببساطة عن أن كل ما ينقص هو التوصل لاتفاق دون أن يشير بحرف إلى آلية محددة تحقق هذا في ظل تعنت الحوثيين.. وليس هكذا تورد الإبل في تسوية الصراعات.