هلّ الشهر الفضيل بروائحه ونسماته الطيبة، ومعه تجود الأنفس بما منّ الله عليها من نعم، سواء كان الأمر موصولاً بالأفراد أو المؤسسات أو الدول. في هذا السياق تجيء الإمارات العربية المتحدة لتعطي من جديد أفضل مثال على ما يمكن أن تكون عليه الأخوّة الإنسانية في الشهر الكريم.
عُرفت الإمارات بأنها أرض الخير والبركات، وقد بذر زايد الخير، رحمه الله، هذه الأرض بكل مبادرات المودات تجاه القريب والبعيد. ومع أوائل رمضان الحالي أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، عن مبادرة مائة مليون وجبة لإفطار الصائمين في نحو عشرين دولة في الجوار وحول العالم. الخير الإماراتي تحدث به الركبان، لا سيما في أوقات الأزمات الإنسانية الحقيقية، كمثل تلك التي تعيشها البشرية في الوقت الحاضر، ومن جراء فيروس شأئه أرعب البشرية برمتها.
قبل مبادرة المائة مليون وجبة، ربما ينبغي علينا أن نشير إلى أنه وطوال العام الماضي انطلقت آلاف الأطنان من المساعدات الغذائية والدوائية والكسائية في اتجاهات الأرض الأربعة، بل وصلت طائرات الخير الإماراتية إلى أقصى أقاصي الأرض، هناك في غابات الأمازون، حيث ضرب الفيروس ووجد أخوة في الإنسانية غير قادرين على مقاومة الأزمة. أنفع وأرفع ما في النموذج الإماراتي، أنه صادق مع النفس، متسق مع الذات، وهناك حيث القيادة القابضة على معنى ومبنى الإنسانية بكل مشاعرها، يمكن أن يجد المرء تفسيراً لظاهرة السردية الخيرية للإمارات. حين احتضنت الإمارات وثيقة الأخوّة الإنسانية في فبراير عام 2019، فإنها بذلك كانت تكتب صفحة جديدة في تاريخ إقليم معذب، عُرف بالموت أكثر من الحياة، وبالكراهية أكثر من المودات، فجاءت المبادرة الإماراتية لتخبر الجميع، أن البشر أخوة، وهي فلسفة قرآنية في صميمها..إنما المؤمنون أخوة.

ما أعظم تلك الأخوة في رمضان، حيث لا يقبل مؤمن وليس مسلم فقط أن لا يجد صائمٌ طعامَ الإفطار، ومن هنا كانت هذه المبادرة، والتي بدات العام الماضي بعشرة ملايين وجبة، وها هو الخير على الأراضي الإماراتية ينمو ويزداد ويتصاعد، فما نقص مال من صدقة.
علامة استفهام تقابلنا في الطريق: هل هذه المبادرة حكومية مدفوعة من قبل الحكومة الإماراتية فقط، ومن غير أية مشاركة وجدانية وإيمانية من الأفراد والمؤسسات؟ حكما أن الدولة الإماراتية لا تقصر ولا تتوانى، وبالقطع إنها تساهم بالجزء الأكبر في هذه المبادرة، غير أن الجدير بالإشارة أن الدعوة مفتوحة للجميع من عموم الشعب، مواطنين ومقيمين، وللمؤسسات وكبار الشركات، ولكل من يسعى لمد يد الخير والعون لأخوة في الإنسانية.
المبادرة تعني أن الأخوّة الإنسانية باتت تُترجم اليوم في أفعال حقيقية على الأرض، وليس في شعارات زائفة أيديولوجية فحسب، وهذا ما يُكسب الإمارات مذاقاً خاصاً في الحل والترحال.
والشاهد أنه ما كان لهذا الخير أن يعرف طريقه إلى الإمارات من غير جذور وجسور زايد الخير، الذي أعطى درساً في الإنسانية، من خلال قوله إن الخير غير مشروط بجنس أو عرق أو دين أو مذهب.
الإمارات تعيش في رمضان أجواء الأخوة وروائحها العطرة تعبق جميع أنحاء الإقليم المضطرب.
عسى أيامكم مسرات، ورمضان كريم، وصوم مقبول.
* كاتب مصري