الغذاء هو موضوع لا يمكن التساهل فيه، ومن الصعوبة بمكان التفكير فيه بشكل متجرد، خاصة بالنسبة للدول التي تعاني نقصاً في إنتاج الأغذية، وتعتمد على استيرادها من خارج حدودها، والتي تصرف مليارات الدولارات لكي توفره لشعبها، وتدخل في منافسات وصراعات مع الدول الأخرى المستوردة مثلها للغذاء لكي تحافظ على نصيب شعوبها من المتاح من أغذية في السوق العالمية، لكي تتمكن في نهاية المطاف من سد رمق مواطنيها.

من الطبيعي أننا في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام، وفي دولة الإمارات بشكل خاص أن نشعر بقلق له أسبابه حول وجود نقص في الغذاء لدينا في داخل دولنا أكثر من شعورنا بوجود مثل هذا النقص لدى الشعوب الأخرى البعيدة جداً عنا، فهذه هي سنة الحياة، وهذا هو ناموسها. لكن قبل أن يتم النظر إلى المسألة بموضوعية، نحن نحتاج إلى معرفة كيف يمكن مقارنة تمولينا من الغذاء مع تلك الخاصة بملايين البشر في الدول الأخرى.

من الواضح في هذه المرحلة من تاريخ مسيرة البشرية أن بعض الشعوب، خاصة في الأجزاء الغربية من الكرة الأرضية لا تشعر حقيقة بوجود مشكلة في الغذاء لدى العديد من شعوب العالم الأخرى، وربما أن أجيالها الجديدة تتساءل ما الذي يعنيه مصطلح مجاعة في الأساس؟ وربما أن البعض منهم يقول بأنه لا يصدق جميع هذا الذي يقال بأن ملايين البشر في دول العالم النامي في آسيا وأفريقيا يموتون من الجوع في كل عام. لكن الحقيقة هي أنه حان الوقت بالأمس، وليس اليوم للبشرية أن تعلم الحقائق المرة والصعبة حول الأزمة الغذائية التي يعيشها العالم، ويأتي جزء كبير منها من سوء توزيع الأغذية على مدار الكرة الأرضية، بحيث أن بعض الدول مصابة بالتخمة وتقوم سنوياً بإتلاف ملايين الأطنان منها محافظة منها على الأسعار في السوق العالمي، في حين أن دولاً أخرى في آسيا وأفريقيا محتاجة إلى بضعة أرغفة تسد بها رمق شعوبها.

والواقع أنه ليس من الحكمة محاولة طرح جميع الحقائق دفعة واحدة، وكان المرء يريد أن يلقي محاضرة على القارئ. لذلك فلربما أنه يتوجب على المرء أن يكون قادراً على أن يحصل على معظم المعلومات المطلوبة عن طريق التعامل مع مجموعة من الأسئلة المعيارية التي يتم اختيارها بعناية من قبيل: ما هي أكثر الأقطار تضرراً من نقص الغذاء لديها؟ وما هي الأغذية الدائمة التي تعتمد عليها الشعوب كشيء أساسي في غذائها؟ وما هو المدى الذي يصل إليه نقص الغذاء لدى الشعوب الفقيرة والمحرومة؟ وهل توجد أية مصادر يمكن عن طريقها سد النقص في الغذاء العالمي بشكل عام؟ إن الإجابة عن جميع هذه الأسئلة، وغيرها من التي يمكن أن تطرح لا يمكن أن تتوفر للمجتمع البشري بسهولة رغم أن بعض الهيئات والمنظمات العالمية والدول الكبرى وغيرها من الدول على مدار العالم تحاول ذلك منذ زمن بعيد نسبياً يعود إلى ما بعد الحرب الكونية الثانية، لكن دون جدوى حقيقية. إن التساؤلات من هذا القبيل التي يمكن أن تطرح لكي تقودنا إلى المزيد من المعرفة كثيرة، لكن قبل مواصلة طرحها لا بد من طرح سؤال آخر أكثر معيارية وأهمية هو: إلى أين يمكن أن يقودنا مجمل هذه الأسئلة؟

ربما نحن نستطيع الاستمرار في الأخذ في الاعتبار كيف أن هذه المشكلة العالمية قد نشأت في الأصل؟ إن المسببات الرئيسة الآن متأصلة إلى حد كبير، لكننا لن نخوض فيها، والمهم هو أن الآراء حولها تختلف وفقاً لأهمية كل سبب. وبالإضافة إلى ذلك يوجد عدد من الأسئلة التي لا توجد لها إجابات شافية، منها هل لو أن الكوارث يتم التنبؤ بها لكان من الممكن إيقاف أو منع المجاعة؟ وهل كان من الممكن لحكومات العالم أن تتخذ إجراءات أكثر كفاءة لرفع المعاناة عن المناطق والشعوب الجائعة؟ وهل مظاهر نقص الغذاء القائمة حالياً تعود إلى الأوضاع الخاصة التي تتمخض عن الحروب والكوارث الطبيعية والجفاف؟ أم أن مجمل النظام العالمي لإنتاج الغذاء وتوزيعه القائم حالياً يحتاج إلى إصلاحات جذرية. ومن هذه النقطة توجد خطوة قصيرة فقط للنظر في حلول ممكنة يمكن تطبيقها في المستقبل لمنع حدوث نقص في الغذاء حول العالم، وبالتالي ما يؤدي إلى المجاعة، سنتركه لمقام آخر. وللحديث صلة. * كاتب إماراتي