منذ حوالي 20 عاماً، وتحديداً منذ الإطاحة بحكومة «طالبان» من السلطة، تم نشر القوات الأميركية في أفغانستان، وذلك في أعقاب هجمات 11 سبتمبر الإرهابية على الولايات المتحدة.
وفي عام 2021، قد تنتهي أطول حرب أميركية، حيث يخطط الرئيس جو بايدن لسحب جميع القوات الأميركية المتبقية من البلاد هذا العام بحلول الذكرى العشرين للهجمات. ومن المتوقع أن يعلن بايدن خطته هذا الأسبوع، في إطار الضغط الأميركي المستمر للتوصل إلى تسوية سياسية بين الحكومة الأفغانية و«طالبان».
وقد عارضت إدارة بايدن الموعد النهائي المحدد له في 1 مايو لإعادة جميع القوات الأميركية من أفغانستان بموجب اتفاق ورثته من إدارة ترامب. لكن بايدن أقر منذ توليه منصبه في يناير أنه سيكون «من الصعب» سحب القوات بموجب شروط اتفاق فبراير 2020 مع «طالبان».
على مدار العام الماضي، توقفت المحادثات رفيعة المستوى بين الحكومة الأفغانية و«طالبان»، والتي كان من المفترض إجراؤها فور توقف الاتفاق الأميركي. لكن تركيا أعلنت يوم الثلاثاء أنها ستستضيف اجتماعاً في إسطنبول في وقت لاحق من هذا الشهر يضم ممثلين من الجانبين لإجراء محادثات بحضور الأمم المتحدة في محاولة لاستئناف الجهود للتوصل إلى حل.
والسؤال: لماذا تتواجد القوات الأميركية في أفغانستان؟
غزت القوات التي تقودها الولايات المتحدة أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، سعياً للإطاحة بحكومة «طالبان»، التي آوت مقاتلي «القاعدة» المتورطين في التخطيط للهجمات. وبينما تمت الإطاحة بـ«طالبان» من السلطة في غضون شهور، احتفظت الجماعة بالدعم في المناطق الريفية، وبدأت تدريجياً في استعادة قوتها والاستيلاء على الأراضي.
وبعد ما يقرب من 20 عاماً من الصراع، أصبحت «طالبان» هي الأقوى منذ غزو 2001 وتسيطر أو تمارس نفوذاً على ما يقرب من نصف أفغانستان.

يخشى العديد من الأفغان من عودة «طالبان» ذات يوم إلى السلطة في كابول. ففي ظل حكم «طالبان»، فرض المسلحون تفسيرات متشددة للشريعة ومنعوا النساء بشكل أساسي من الحياة العامة.
هذا يدفع للتساؤل عما هي المخاطر مع اقتراب الانسحاب؟
انسحبت قوات «الناتو» من العمليات القتالية في نهاية 2014، على الرغم من بقاء قوات الحلف على الأرض. ويجادل الكثيرون بأن الفراغ الناتج سمح لـ«طالبان» بصد قوات الأمن الأفغانية واكتساب القوة. كان المسؤولون الأميركيون تاريخياً يريدون إبقاء القوات في أفغانستان لهذا السبب بالذات، خوفاً من أن يسمح الانسحاب للمسلحين باستغلاله مرة أخرى لشن هجمات على الولايات المتحدة.
وبالفعل، بعد أن قلصت الولايات المتحدة من حجم عملياتها، سيطرت حركة «طالبان» على الطرق السريعة الرئيسية وحاولت خنق المدن والبلدات في موجات استنزفت قوات النخبة الأفغانية. في حين ظهر إجماع واسع في الولايات المتحدة على أن الحرب استمرت لفترة طويلة وكلفت الكثير من الأرواح، تساءل النقاد عما إذا كان الانسحاب بحلول الموعد النهائي في 1 مايو أمراً واقعياً، وما إذا كان الانسحاب السريع قد يضر أكثر مما ينفع.
من ناحية أخرى، أعرب المدنيون مراراً وتكراراً عن مخاوفهم من أنه عندما تنسحب القوات الأميركية، فإن الأفغان العاديين سيدفعون الثمن ويُتركون تحت رحمة «طالبان»، الذين يواصلون تحقيق مكاسب إقليمية رئيسية في جميع أنحاء البلاد وما زالوا يطمحون إلى إقامة حكومة إسلامية متشددة في كابول.

كم عدد القوات الأميركية في البلاد؟
في يناير 2020، قلصت إدارة ترامب العدد الرسمي للقوات في أفغانستان إلى 2,500 -وهو أدنى مستوى منذ عام 2001. (الرقم متغير، وهناك حاليا حوالي 1000 آخرين على الأرض). وقد عارض المشرعون من الحزبين هذا التغيير، قائلين إنه لم يكن من الواضح أنه سيكون هناك ما يكفي من القوة البشرية لتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب الفعالة، وأن تخفيض القوات قد لا يكون متسقاً مع شروط اتفاقية الولايات المتحدة مع طالبان.
ما هو الوضع على أرض الواقع؟
العنف تصاعد في جميع أنحاء البلاد في الشهر الماضي وقُتل أكثر من 3,000 مدني العام الماضي وحده، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة. ووسط الجهود المتزايدة لإيجاد حل سلمي للصراع، استمرت هجمات «طالبان» في استهداف المدنيين، حيث حاولت الجماعة كسب النفوذ في محادثات مختلفة. بالإضافة إلى جهود «طالبان» للسيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي، نفذت الجماعة أيضاً عمليات قتل واغتيالات متزايدة. وقُتل ما لا يقل عن 11 صحفياً وإعلامياً في البلاد العام الماضي.

وفي السنوات الأخيرة، استغلت جماعات مسلحة أخرى، بما في ذلك فرع من تنظيم «داعش»، الصراع الفوضوي لمتابعة أجنداتها الخاصة. وأعلن تنظيم «داعش» مسؤوليته عن بعض الهجمات الأكثر دموية على المدنيين في العاصمة في السنوات الأخيرة، واستهدفت في كثير من الأحيان أقلية «الهزارة» في غرب كابول.
كما وقعت عدة اغتيالات أخرى مستهدفة حتى الآن هذا العام، حيث قُتلت ثلاث صحفيات في إقليم ننجر، حيث تنشط كل من «داعش» و«طالبان». وفي مارس، قُتلت ثلاث نساء يعملن في حملة تطعيم ضد شلل الأطفال في هجومين منفصلين.
ما هو وضع محادثات السلام بين «طالبان» وحكومة أفغانستان؟
بدأت محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية و«طالبان» في سبتمبر الماضي بعد تأخير طويل بعد الاتفاق الأميركي في فبراير 2020. ومع قيام الولايات المتحدة بدور رئيسي في عملية السلام، ساهم فوز بايدن في انتخابات نوفمبر الماضي في مزيد من التأخير، كما يشك بعض المحللين، حيث توقعت الأطراف تغييرات محتملة في سياسة الولايات المتحدة.
هناك آمال في أن تؤدي المحادثات في تركيا إلى إطلاق محادثات جديدة تقود إلى خطوات جوهرية نحو السلام. ويتم الآن تداول عدد من خطط السلام المحتملة في كابول، بما في ذلك بعض مقترحات تقاسم السلطة بين الحكومة الأفغانية و«طالبان». من جانبه، اقترح الرئيس «أشرف غني» وقف إطلاق النار قبل الانتخابات، وكذلك إجراء تغييرات دستورية.
وقد حذر البعض من أن عدم وجود توافق في الآراء بين القادة الأفغان قد يسمح لـ«طالبان» بتشكيل جبهة موحدة بشكل أكبر وبالتالي اكتساب نفوذ أكبر في المحادثات المقبلة. يشعر المدنيون المعارضون لحركة «طالبان» في أفغانستان بالقلق من أنه إذا قامت المجموعة بتأمين دور في حكومة تقاسم السلطة، فيمكنهم في النهاية تولي الحكومة في كابول والعودة إلى الحكم القاسي الذي فرضوه قبل إزاحتهم عن السلطة في 2001.
كما أعرب مسؤولون أفغان عن مخاوفهم بشأن الانسحاب الكامل للقوات الأميركية دون التوصل إلى تسوية سياسية قوية.
سيوبهان أوجرادي* وأنطونيا نوري فارزان**
* كاتبة متخصصة في الشؤون الخارجية

** كاتبة صحفية لدى «واشنطن بوست»ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»