فُتح نقاش في فرنسا مؤخراً من أجل معرفة ما إنْ كان ينبغي لفرنسا اللجوء إلى اللقاح الروسي «سبوتنيك 5» من أجل محاولة وقف تفشي وباء كوفيد- 19. ومعلوم أن التلقيح سيكون الرد الرئيسي من أجل السماح بالعودة إلى حياة عادية أكثر. 
المفوض الأوروبي المكلف باللقاحات «تيري برتون» صرّح بأن البلدان الأوروبية ليست في حاجة إلى هذا اللقاح لأن القدرات الإنتاجية كافية. ومؤخراً، أوضح كل من وزير الخارجية «جون إيف لودريان» ووزير الشؤون الأوروبية «كليمون بون» بأن اقتراح الروس تصدير هذا اللقاح هو عملية تواصلية. وطبعا، بالنسبة للروس، الأمر يتعلق بكل وضوح بعملية تواصل. وطبعاً، بالنسبة للروس، الأمر يتعلق بكل وضوح باستراتيجية للتأثير؛ حيث يأملون أن تدرّ عليهم لقاحاتهم المختلفة عائدات مالية تصل إلى 25 مليار يورو، وأن يستفيدوا من التواصل حول نجاح لقاحاتهم. 
غير أن جوهر عمل كل الدبلوماسيات في العالم هو القيام بالتواصل: فكل البلدان، بما فيها فرنسا، تستخدم أدوات الدبلوماسية العامة. ومن الغريب بعض الشيء أن نعيب على الآخرين ما نفعله نحن؛ وبالتالي، فهذه ليست حجة كافية للتأكيد على أن فرنسا ليست في حاجة إلى هذا اللقاح. 
أربعة لقاحات طوّرت من قبل روسيا، أشهرها «سبوتنيك 5». هذا الاسم يحيل إلى النجاح التكنولوجي الذي حققه الاتحاد السوفييتي عام 1957، والذي فاجأ الأميركيين الذين كانوا مهيمنين آنذاك. وبالنسبة لروسيا، يُعد هذا اللقاح نوعاً من الانتقام على اعتبار أنه عندما أعلن فلاديمير بوتين أن روسيا طوّرت لقاحاً، قوبل بالسخرية من قبل الكثيرين الذين اعتبروا ذلك نوعاً من البروباغندا وقالوا إنه لن ينجح. والحال أن اللقاح فعّال وحاز شهادات تثبت نجاعته وصُدِّر إلى الخارج. ولكن مشكلة روسيا هي أنها ليس لديها إمكانات إنتاج كافية، كما يشهد على ذلك اكتشاف أربعة لقاحات مختلفة؛ ولكنها تنتج بكميات قليلة داخل البلاد، وهو تحدٍّ لم يجب عليه فلاديمير بوتين بعد. وروسيا ما زالت تعتمد على عائدات النفط والغاز من أجل الحصول على العملات، ومضطرة لصنع اللقاح الذي طوّرته في بلدان خارجية، وخاصة الهند وصربيا وبلدان أخرى. 
صحيح أنه في روسيا لا تبدو عملية التلقيح فعّالة جداً على اعتبار أن عدد الروس الذين تلقوا جرعة أولى من اللقاح أقل من الفرنسيين من حيث النسبة والتناسب، والحال أن الفرنسيين أنفسهم متأخرون أصلاً في حملة التلقيح. وإذا كانت روسيا تصدّر لقاحاتها، فإنها تفعل ذلك على حساب شعبها. غير أن المطاعم والحانات والمسارح هناك مفتوحة والروس يبدو أنهم يعيشون حياة شبه عادية، خلافاً لما عليه الحال في فرنسا. وقد صدّرت روسيا لقاحها بشكل كبير إلى أميركا اللاتينية (الأرجنتين، المكسيك) ولكن أيضاً إلى البلقان. وهكذا، جعلت روسيا من اللقاح أداة للتواصل السياسي وكذلك وسيلة اقتصادية تدرّ عليها مداخيل مالية. 
وفي الأثناء، بدأت تظهر في أوروبا بعض الانقسامات حول هذا الموضوع: فقد قبلت بلدان مثل سلوفاكيا اللقاح الروسي، ما تسبب في جدل كبير. كما قبلته أيضاً إيطاليا، وتبدو ألمانيا على وشك أن تحذو حذوها. أما بالنسبة لفرنسا، فإنها ترفضه لأسباب جيوسياسية أكثر منها صحية. وبالطبع، هناك خلافات مع روسيا حول مواضيع مختلفة مثل سوريا وأوكرانيا ومصير معارض بوتين، أليكسي نافالني. ولكن، هل يسمح وضع فرنسا المتأخرة في عملية التلقيح برفض لقاح فعّال؟ الواقع أنه يمكن النظر إلى هذا الرفض باعتباره نوعاً من التصلب الإيديولوجي من حيث المبدأ، وخاصة إذا خلق اختلافاً في الموقف بين فرنسا وألمانيا. 
وبالطبع، ينبغي ألا نكون ساذجين: فالأمر يتعلق بلقاح دبلوماسي، ولكن المشكلة ليست هنا، لأن السؤال الحقيقي هو معرفة ما إن كان اللقاح فعّالا أم لا. ومن الواضح أن روسيا تتواصل بهذا الشأن وتعتزم بالطبع الاستفادة منه من حيث القوة الناعمة؛ غير أنه كلما سارعت فرنسا إلى تلقيح جزء مهم من سكانها، استطاعت التعجيل بإعادة فتح مطاعمها وأماكنها الثقافية، وبالتالي استئناف حياة جماعية واقتصادية عادية. ولهذا، فحتى لو كان اللقاح روسيا، فإنه لا ينبغي رفضه من حيث المبدأ.