أشرنا في مقالات سابقة إلى إمكانية تعافي الاقتصادات الخليجية بصورة أسرع من المتوقع في العام الجاري، والتي جاءت رداً على بعض التقارير الخارجية، وبالأخص من «بلومبيرغ» و«رويتر» اللتين بثتا بعض الشكوك حول التعافي الاقتصادي في دول المجلس. وفي بداية شهر أبريل الجاري أصدر صندوق النقد الدولي تقريره الدوري حول الاقتصاد العالمي وتوقعاته حول عام 2021، والتي جاءت مطابقة لوجهات النظر المتفائلة بالنسبة للاقتصادات الخليجية.
لقد رفع صندوق النقد الدولي معدلات النمو لعام 2021 بالنسبة لدولة الإمارات ودول المجلس، مقارنة بتوقعاته السابقة الواردة في تقريره لشهر أكتوبر الماضي. وبالنسبة للإمارات توقع الصندوق أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.1% هذا العام، مرتفعاً عن توقعه السابق البالغ 2.6%، بينما سيرتفع الناتج المحلي الإجمالي السعودي بنسبة 2.9% والبحريني بنسبة 3.3% والقطري بنسبة 2.4% والعماني بنسبة 1.8% والكويتي بنسبة 0.7%، وذلك مقابل انكماش للجميع العام الماضي بسبب تفشي فيروس «كوفيد-19» وما نجم عنه من تداعيات وإغلاقات للأنشطة الاقتصادية. إلا أن الصندوق أشار إلى نقطة مهمة، وهي أن دول المجلس نجحت في اتخاذ تدابير ساعدتها على احتواء تفشي الوباء والإقلال من تداعياته، حيث تعتبر دول التعاون في مقدمة بلدان العالم التي اعتمدت تدابير وقائية سريعة وشفافة وعملية، كما أنها تقف الآن في مقدمة الدول في عدد تطعيمات «كوفيد-19» بالنسبة لعدد لسكان، وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع نسب النمو التي أشار إليها صندوق النقد، خصوصاً وأن معظم التوقعات تشير إلى إمكانية تحسن أسعار النفط، حيث نجمت النسبة الأكبر من انكماش الاقتصادات الخليجية العام الماضي عن تدهور أسعار البترول وبالتالي تراجع عائداته.
وربما يشير البعض إلى أن نِسب النمو المتوقعة لمجموعة البلدان المتقدمة خلال عام 2021، في تقرير الصندوق، بلغت 5.1%، منها 4.4% لدول الاتحاد الأوروبي، وهي أعلى من دول التعاون بقليل! لكن مهلاً.. ففي هذا الصدد لا بد من الإشارة إلى أن هذه المسألة تأتي ضمن الفعل ورد الفعل، فالانكماش الاقتصادي في البلدان المتقدمة في عام 2020 كان عالياً، وهو ضعف الانكماش الخليجي. ففي إسبانيا تراجع النمو بنسبة 12.4%، وفي بريطانيا بنسبة 10.3%، مقابل 5.9% و4.1% فقط في كل من الإمارات والسعودية، أي نصف معدل الانكماش في الدول المتقدمة، ما يعني أنه من الطبيعي أن ترتفع النسب في البلدان المتقدمة على اعتبار أنها جاءت كرد فعل لنسب الانكماش السابقة، وكذلك الحال في الدول الخليجية. إلا أن قياس معدلات النسب والتناسب تبين الميزة التي تتمتع بها الاقتصادات الخليجية.
وإذا ما أضفنا إلى ذلك التوقعات الخاصة بنمو الاقتصادات الناشئة، مثل الهند وإندونيسيا وماليزيا، وكذلك الصين، والتي يتوقع أن تحقق معدلات نمو مرتفعة ستؤدي إلى انتعاش أسعار السلع، وبالأخص النفط، فإن الصندوق يتوقع أن يحقق الاقتصاد العالمي نمواً بنسبة 6% العام الجاري، وهو ما يعني إمكانية أن يجتاز الاقتصاد الدولي معظم تداعيات انتشار جائحة كورونا مع نهاية عام 2021 لتعود القطاعات والأنشطة الاقتصادية إلى سير عملها الطبيعي، بما في ذلك قطاعات الخدمات والنقل والسفر والسياحة، وذلك على الرغم من استمرار بعض التداعيات في العام القادم (2022)، إلا أن تأثيراتها ستكون أقل حدة وستختفي تدريجياً بفضل التطعيمات والإجراءات الاحترازية الرامية إلى محاصرة الوباء والقضاء عليه.
من هنا تتبين خطورة التقارير والبيانات المفبركة مدفوعة الأجر، والتي يأتي بعضها للأسف من مؤسسات إعلامية واقتصادية كبيرة وعريقة، والتي تؤدي ببعض المستثمرين إلى اتخاذ قرارات مستعجلة وخاطئة، مما يتطلب اعتماد التقارير والدراسات الموضوعية والمحايدة والمهنية فيما يتعلق بتقييم الأوضاع الاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي وفي بقية مناطق العالم. إذن، تبدو الآفاق الاقتصادية في الدول الخليجية جيدة فيما يتعلق بالتعافي وتجاوز تداعيات جائحة كورونا؛ فالمشاريع الكبيرة التي أُعلن عن العزم على تنفيذها في الفترة القادمة، وبالأخص في مجال الطاقة المتجددة والبنى التحتية، تؤكد الاستنتاجات الخاصة بهذه الآفاق الإيجابية للاقتصادات الخليجية.