تنهض الدول والمجتمعات حينما تسود فيها ثقافة العمل وتقدير العطاء، وتكريم كل من أسهم في بنائها، وترك بصمة واضحة في نهضتها، فهذا لا يعد فقط رداً للجميل لهؤلاء واعترافاً بدورهم الرائد، وإنما أيضاً يمثل استنهاضاً للهمم وتحفيزاً للآخرين على التفاني في العمل كي يحظوا بهذا التكريم، وهذا ما نجحت فيه دولة الإمارات العربية المتحدة منذ عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، الذي كان يؤمن بقيمة العمل، ويمتدح إتقان العمل والإخلاص فيه، ويكافئ الذين يؤدون الواجبات المنوطة بهم بكفاءة وإتقان. وبالفعل فقد أسس لثقافة التكريم وتقدير العطاء التي باتت أهم سمات تميّز الإمارات وأحد عوامل نجاح تجربتها التنموية الرائدة. 
في هذا السياق، جاء تكريم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، قبل أيام لاثنتي عشر شخصية بـ«جائزة أبوظبي»، قدمت أعمالاً جليلة لمجتمع أبوظبي، وأسهمت في تنمية وتطور الإمارة، ليجسد بوضوح هذه الثقافة التي تقف وراء ما تشهده أبوظبي ودولة الإمارات بوجه عام من تنمية وتطور في مختلف المجالات، وهذا ما عبرت عنه بوضوح كلمات سموه خلال حفل التكريم، الذي أقيم بقصر الحصن في أبوظبي، والتي أشاد فيها بالشخصيات المُكرمة المتميزة التي قدمت أعمالاً جليلة، وكرست وقتها وجهدها لنشر الخير وترسيخ القيم الإنسانية بما يخدم المجتمع في مختلف المجالات.
إن الإشادة بالأدوار والخدمات الجليلة التي قدمتها هذه الشخصيات المكرمة، تؤكد أن أبوظبي ودولة الإمارات بوجه عام لا يمكن أن تنسى من ساهم في نهضتها، وتبادر دوماً إلى رد الجميل لكل من ترك بصمة واضحة في مسيرة نهضتها، لأنها تؤمن أن هذه النوعية من الشخصيات تمثل القدوة والنموذج الحقيقي للاقتداء به في كل مواقع العمل الوطني.. ولهذا تستحق عن جدارة هذا التكريم والحفاوة الكبيرة من جانب الإمارات، قيادة وشعباً. في الوقت ذاته، فإن الشخصيات المكرمة والتي فازت بـ«جائزة أبوظبي» لا تقتصر فقط على المواطنين، وإنما تشمل جنسيات مختلفة ممن يعيشون على أرض الإمارات، وذلك في تجسيد واضح لترسّخ قيمة المساواة في الإمارات التي لا تفرق بين مواطن ومقيم. فمعيار التكريم هو العمل والإنجاز الحقيقي، بغض النظر عن الجنسية أو العمر أو الثقافة أو الدين، وهذه هي الرسالة الحقيقية لـ«جائزة أبوظبي»، التي تستهدف ترسيخ ثقافة العطاء والتميز والإنجاز لدى جميع أفراد المجتمع، وتحفيزهم على العمل الجاد والمخلص، من أجل استمرار مسيرة النهضة الشاملة التي تشهدها أبوظبي والإمارات بوجه عام. 
حينما تنتشر ثقافة التكريم وتقدير المتميزين في أي دولة، فإن هذا يعد دليلاً على أنها تمتلك مقومات التفوق والريادة، لأنها تحفز الجميع على إطلاق طاقاتهم وإبداعاتهم، وتنمي لديهم الدافعية من أجل المشاركة في نهضة المجتمع وتطوره، وهذا ما نجحت فيه الإمارات وقيادتها الرشيدة التي تحرص في مختلف المناسبات على تقدير من قدموا إسهامات في خدمة المجتمع في كل المجالات وتكريمهم والاحتفاء بهم، وهذه إحدى السمات المميزة لدولة الإمارات، وهناك العديد من المبادرات التي ترسخ من ثقافة التكريم وتقدير العمل و العطاء في الإمارات، لعل أبرزها «جائزة أبوظبي» التي انطلقت لأول مرة عام 2005 كأرفع وسام يُمنح للمدنيين، لتكريم الأشخاص الذين أسهموا بتفانيهم والتزامهم العالي في خدمة أبوظبي، لتكون أعمالهم مصدر إلهام يشجع الآخرين على القيام بأعمال نافعة تخدم المجتمع. 
لا شك أن ثقاقة العمل وتكريم المتميزين وتقدير العطاء هي كلمة السر وراء ما تشهده الإمارات من نهضة شاملة في المجالات كافة، وهي الضامن للحفاظ على المكتسبات التنموية والحضارية التي تسعى الإمارات إلى تحقيقها في رحلتها التنموية للخمسين عاماً المقبلة، لأن هذه الثقافة تُعلي من قيمة العمل وتضعها في صدارة القيم المجتمعية، وتجعل من التميز والكفاءة والإنجاز معياراً للتكريم والتقدير، والأهم أنها تعزز من نموذج التعايش الذي يحتضن جميع الجنسيات، ويجعلهم يشعرون بأنهم يعيشون في دولهم، ويتمتعون بنفس الحقوق، ولهذا من الطبيعي أن تترسخ صورة الإمارات لدى شعوب العالم بأنها منارة الأمل وأرض الأحلام التي تستوعب الجميع، وتساعدهم على تحقيق تطلعاتهم.* إعلامي وكاتب إماراتي