في خضم عمليات سياسية وعسكرية واقتصادية بالغة التعقيد في منطقة الشرق الأوسط، تتمثل بالرؤى الأميركية المتمهلة بخصوص الشبكة التاريخية التي يجتمع فيها الحلفاء والخصوم وتتقاطع فيها المصالح وتتصاعد حدة الاستقطاب، حول عودة إيران للاتفاق النووي مع بقاء أذرعها من ميليشيات متأهبة في العراق واليمن وسوريا ولبنان، ودخول الصين وروسيا كلاعبين أساسيين في كل وحدة من مقطوعاتها، ما زالت بعض القوى الإقليمية، التي لم تحدد موقفاً استراتيجياً لغاية الآن، مع الحلفاء أو دول المحور، ومن ثم ليس لديها رؤية سياسية يمكن التعويل عليها.
هل هي خطة أن تناور هذه القوى الإقليمية في مساحة ضيقة مع روسيا أوتحاول العودة للاتحاد الأوروبي، أم أنها مجرد استراتيجيات قصيرة المدى تفحص ما يمكن أن تحققه هذه القوى؟
لم تتضح اليوم الخريطة الجديدة للشرق الأوسط، فـ«الديمقراطيون» في أميركا لم يعلنوا أو يحددوا نواياهم الجديدة حتى الآن، بعكس النوايا الأميركية القديمة المعروفة تجاه إسرائيل وإيران من جهة، والتسابق مع روسيا والصين للاستحواذ على عوائد التحالف مع دول الخليج من جهة أخرى، وتحديد من هم الحلفاء والخصوم في آن، بينما تعج الموضوعات، المتعلقة بالمستقبل، والأمن والسلم والديمقراطية في الشرق الأوسط بأجندة كتاب البيت الأبيض والقيادات التي لم تحدد موقفها بعد.
العودة الأميركية للاتفاق النووي مع إيران في عُهدة الرئيس الأميركي جو بايدن باتت شبه مؤكدة. وبعد التفاوض والتوقيع، والتنازلات المتبادلة خطوة بخطوة، سوف تقدم هذه المنظومة وطريقة التعاطي الأميركي لكل الأطراف ومنهم القريبون والبعيدون وجهة نظر واضحة حول السياسة الأميركية الميالة إلى الدبلوماسية، وسيكون سهلاً على القوى الإقليمية، التحرك خلال السنوات الأربع القادمة، بناء على تلك الاستراتيجية.
الدومينو الإقليمي (الضومنة) الذي يعتمد في بناء منظومته على رؤية تستند إلى الفوز بجولة واحدة، لا تأخذ في الحسبان المدى الذي قطعته دول في الخليج، كالإمارات والسعودية وكذلك دول بحجم مصر في الاهتمام بشؤونها ومصالحها الاستراتيجية وعلاقاتها الدولية بناء على رؤية شاملة لا يحدّها الاتفاق النووي ولا يؤطرها المماحكات الصغيرة ولا يرعبها الاقتراب الصيني والروسي للشرق الأوسط، بل إن الرؤية الكبرى لدولة الإمارات في الشرق الأوسط، أبعد بكثير من حجم التخيلات الموجودة لدى القوى الإقليمية، لأنها قائمة على رسالة يصعب فهمها من قبل هذه الأطراف، وهي تشذيب المنطقة من كل فكر متطرف وتهذيبها بالمفهوم الإبراهيمي الذي سينتج السلام والأمن والاستقرار.
كما يقولون، قاب قوسين أو أدنى، ستقترب دول عربية وخليجية أخرى من «الاتفاق الإبراهيمي»، وهذا الحلف الذي بدأ يتشكل منذ وقعت الإمارات اتفاقية السلام مع إسرائيل في سبتمبر 2020 سيكون الهيكل الأساسي الذي يجب على كل من أميركا وأوروبا وكذلك القوى الإقليمية التعامل معه، كوحدة وبنيان واحد، تجتمع فيه النوايا والمصالح المشتركة، وسيضع مخططاً لخمسين عاماً أخرى للشرق الأوسط، تمنع الفكر المتطرف وتوقف الحروب وتعيد للمنطقة مجدها التاريخي الذي حرمت منه قرونا طويلة، وتعيد لشعوب المنطقة الأمل بالتطور والمنافسة وكذلك الأمل في السلام المنشود.
ستقف أميركا بدبلوماسيتها والقوى الإقليمية بمناوراتها يراقبون تطور الخيار الاستراتيجي لدول الشرق الأوسط، تلك الدول التي انضمت وستنضم للحلف الإبراهيمي لبناء وتعزيز مفاهيم جديدة يفهمها القرن الواحد والعشرون ولا تنطبق على قرون أخرى، غابت فيها الرؤية، وتلاشى فيها الأمل، وتصاعدت فيها حدة الاضطرابات والفوضى.