نشر مؤخراً رجل الأعمال الأميركي بيل غيتس، مؤسس شركة مايكروسوفت، كتاباً بعنوان «كيفية تجنب كارثة مناخية: الحلول المتوفرة لدينا والاختراقات التي نحتاجها». ويشرح غيتس من خلال 12 فصلاً، وبأسلوب سهل ومفهوم لجميع الشرائح المجتمعية، التداعيات الممكنة لأزمة المناخ، مع طرح خطة وخطوات يمكن باتباعها على الصعيد الرسمي والشعبي السيطرة على الاحتباس الحراري، وذلك عبر الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة والوعي التراكمي لدى الناس.
ويشرح الكاتب في المقدمة أن اهتمامه بأزمة المناخ ليس بالبعيد ويعود تحديداً لعام 2006، عندما التقى آنذاك بصفوة من العلماء ذوي الاختصاص في مجال المناخ، الذين شرحوا له باستفاضة الروابط ما بين انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتغير المناخي، الأمر الذي أثار فضوله، موازاة مع اهتمامه المستمر بقضية فقر الطاقة، وحرمان بعض المناطق والقرى في القارتين الأفريقية والآسيوية من الخدمات الكهربائية.
ورسم بيل غيتس خطة طريق تنظيرية تهدف إلى القضاء على الانبعاثات الكربونية بصورة كاملة، وليس تقليلها كما يدافع عن ذلك البعض، وذلك للقضاء على التكاليف الاقتصادية والبشرية والبيئية التي يمكن أن تنجم عن استمرار تلك الانبعاثات، وألح في كتابه على ضرورة التخلص من 51 مليار طن من غازات الاحتباس الحراري التي تُضاف للغلاف الجوي سنوياً، وصولاً إلى صفر انبعاثات بحلول عام 2050.
كما شرح رجل الأعمال الأميركي سبل وكيفية القضاء على تلك الأطنان من الانبعاثات التي تتكون انطلاقاً من خمسة مصادر، إذ أن استخدام مصادر الطاقة المتجددة وتقليل الوقود الأحفوري من شأنه أن يمثل نحو 27% من الانخفاضات المطلوبة، علاوة على تغيير طرق تصنيع السلع، والذي قد يحقق انخفاضات بنسبة 31%، كما يمكن أن يساهم تغيير طرق زراعة المحاصيل الغذائية، وتقليل السفر، والحفاظ على المباني دافئةً أو باردة، في خفض الانبعاثات بنحو 18% و16% و6% على التوالي.
حاصل القول، وكما أكدنا ذلك هنا مراراً، فإن تغير المناخ يكون بفعل الإنسان على النظم التي تحافظ على الحياة، من أعلى الجبال إلى أعماق المحيطات، مما يؤدي إلى تسارع ارتفاع مستوى سطح البحر، مع آثار متتالية على النظم البيئية والأمن البشري. وبحلول عام 2050، سيزداد عدد الأشخاص المعرّضين لخطر الفيضانات من مستواه الحالي البالغ 1. 2 مليار إلى 1. 6 مليار. وبالاستناد إلى بيانات أولية، يرجح العلماء أن يبلغ تركّز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي مستويات قياسية جديدة. وتوقّع العلماء أن يكون متوسط الحرارة للفترة المقبلة أعلى بـ1.1 درجة مئوية مقارنةً مع ذلك الذي كان سائداً في الفترة بين عامي 1850 و1900، بحسب التقرير الصادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية والذي يتضمّن أحدث البيانات بشأن حرارة الأرض. 
لكن الذي غاب عن كتاب بيل غيتس، هو إعطاء تصور قابل للتطبيق لجعل دول العالم تأخذ قرارات حقيقية في هذا المجال، بدل البقاء في عالم التنظير اللامتناهي، خاصة بعد الانتكاسات المتتالية في هذا المجال والتي أقبرت العديد من الاتفاقيات التي أبرمت في السنوات الأخيرة لصالح البيئة ومستقبل الكون والبشرية، وخاصة بعد قرار الإدارة الأميركية السابقة الانسحاب من الاتفاقية الدولية للمناخ، وهو ما أثار في حينه غضباً مشروعاً، لأن المجهودات الدولية التي تابعناها منذ أزيد من عقد ونصف من الزمن، والتي كان أبطالها أفراداً دوليين نافذين ومنظمات دولية ومؤسسات حكومية وغير حكومية، ومنظمات أهلية، وصرفت فيها مليارات الدولارات وشهدت الكثير من المفاوضات الدولية الشاقة والاجتماعات المتتالية، قد توقفت بسبب الانسحاب التدريجي لأقوى الدول وأكثرها تلويثاً للبيئة. 
الاتفاق كان قد وقّعت عليه 194 دولة، ويتعهد المجتمع الدولي بحصر ارتفاع درجة حرارة الأرض وإبقائها «دون درجتين مئويتين»، قياساً بعصر ما قبل الثورة الصناعية، وبـ«متابعة الجهود لوقف ارتفاع الحرارة عند 1.5 درجة مئوية». وهذا يفرض تقليصاً شديداً لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، باتخاذ إجراءات للحد من استهلاك الطاقة والاستثمار في الطاقات البديلة وإعادة تشجير الغابات.. كل هذه القواعد الجميلة كانت قد سُطرت في باريس ثم مراكش، لكنها تبقى رهينة محركي النظام العالمي ورغبات الدول العظمى. فهذه الأخيرة غير مستعدة لإعادة هيكلة صناعاتها وطريقة عيشها، وهي تفكر في أصوات الناخبين واللوبيات الصناعية النافذة أكثر من مستقبل الكرة الأرضية.