أطلق الشاعر المصري الكبير عبدالرحمن الأبنودي مصطلح «شعوب عبدالناصر» في مرثيته الشهيرة للزعيم العربي جمال عبدالناصر في إشارة بليغة لشعبيته العابرة في مختلف الشعوب حول العالم، وهذا ما حدث مع الرئيس السيسي عندما شاهد العالم موكب المومياوات وهي تخترق شوارع القاهرة في مشهد تاريخي مهيب جعل من المصريين حديث العالم، وتمنت كثير من شعوب الأرض أن تحظى بقائد كالرئيس السيسي نجح في تغيير مصر بشكل مذهل خلال سنوات قليلة، ولكنها سنوات فيها جهد وعمل حقيقي، أثمر تغييراً ملموساً في الاقتصاد المصري.
يمكن اعتبار أن مصر ودون ترتيبات مسبقة دشنت الجمهورية الثانية بعد جمهورية الاستقلال الأولى التي قادها الضباط الأحرار في ثورة يوليو عام 1952، وشهدت فيها الجمهورية المصرية محطات تاريخية ووصلت للقرن الحادي والعشرين، وقد وصلت مرحلة النضوج السياسي، والأهم أنها حصلت على الأجسام المضادة لما عانت منه الدولة المصرية على مدار القرن العشرين، حيث ارتبطت مصر بإشكالية تنظيم «الإخوان المسلمين» بشكل مستمر، وظلوا يشكلون التهديد الوطني حتى اختطفوا الجمهورية لعام واحد، قبل أن يسقطهم الشعب المصري ويستعيد جمهوريته.

عرفت مصر دائماً بمتلازمة الانتصار بعد الهزيمة، ففي كل المحطات التاريخية ينجح المصريون في تحويل الانكسار لانتصار، فحتى نكسة 1967 حولها المصريون لانتصارات عريضة في حرب الاستنزاف الطويلة زمنياً، قبل أن تسجل حرب أكتوبر 1973 الانتصار الأكبر في التاريخ العربي، وتبدو هذه المتلازمة تلاحق المصريين حتى وهم يدشنون الجمهورية الثانية، فما سبق حدث نقل المومياوات شدت حادثة السفينة الجانحة في قناة السويس أنظار العالم، كمتلازمة لا تكاد تنفك في التاريخ المصري، الذي تم استعراضه بشكل واسع مع بداية هذه الجمهورية التي ستتبلور نمطيتها السياسية، أكثر مع ما سيتحقق على الصعيد الاقتصادي في السنوات القليلة المقبلة.
المصريون في القرن الحادي والعشرين هم أكثر قوة من ما كانوا عليه في غيره من القرون، فالقوة المعنوية هي التي سيخوضون بها السنوات، وإن اشتدت وستشتد بطبيعتها لتغير التحديات حول العالم، وهو ما سيتطلب تأسيس بنى تحتية تعتمد على المعرفة مما يعني زيادة نطاق التعليم مع استيراد العلوم التكنولوجية، وتحويل مصر كمصدر رئيسي للتكنولوجيا اعتماداً على ما يمكن أن تنجح في بنائه من بنية تحتية تجعل منها جسراً يصل بين الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا في توظيف للموقع الجغرافي، الذي سيشكل العامل الوازن لعلاقة مصر بالعالم، وسيضبط اتجاهات بل واحتياجات مصر خلال عقود سيكون للمصريين بصمتهم على مجريات كثيرة من حولهم فهذه واحدة من الخصائص المصرية منذ بدأت حضارتهم على الأرض ولن يتخلوا عنها.

مصر أحمد شوقي وأم كلثوم وزويل ونجيب محفوظ والمنشاوي.. مصر العباقرة ستكون أكثر إفرازاً بطبيعتها للإنجازات، فالقوة الناعمة التي رافقت رجال السياسة ستزداد الحاجة لها لتغير المعطى الأهم. تخلص المصريون من الوساوس الشيطانية التي لطالما كان يبثها التيار المتزمت والمتدثر في المجتمع المحافظ، مما تسبب في تعثر مصر وتأخرها، لكنها وبعد أن تخلصت منه وأظهرت جوهر مصريتها المتسامحة مع تاريخها والمحتفية بحضارتها، لم تعد مصر سوى تلك البلاد المفتولة ذراعيها والقادرة على الذهاب حتى عكس الريح. فالمصري الذي كسر الخوف في ثورة الثلاثين من يونيو 2013، ونفض عن بلاده غبار «الإخوان» لن يتردد في التقدم وخوض معارك العقل.
«شعوب السيسي»، هي ذات الشعوب التي أحبت عبدالناصر، وبكت معه وعليه. تلك الشعوب هي ذاتها برغم تغير الأجيال والأحوال، ترى في عبدالفتاح السيسي الرئيس الذي يعمل ولا يتكلم، يفتتح في كل يوم مشاريع جديدة، وهو لا يعيد إلى مصر شبابها فقط بل أيضاً يبدأ مع مصر حياتها، فهذه البلاد لا يمكن لها أن تشيخ وتكبر.. فهي دوماً منذ بدأ التاريخ كانت بانتظار السيسي ليفك أسرارها، ويظهر جمالها للدنيا.. وكيف وهي أم الدنيا. 

* كاتب يمني