أضحى خيار الطاقة النووية السلمية لا مناص منه، لا سيما في ظل التوقعات بنضوب مخزون الطاقة التقليدية من نفط وغاز مع تزايد عدد سكان العالم، والمتوقع أن يقارب الـ 11 مليار نسمة بحلول عام 2100. ولعل ما يجعل هذا النوع من الطاقة أمراً مرغوباً ومحبوباً من كثرة كثيرة حول العالم، أنه يتساوق وفكرة مكافحة التغيرات المناخية، فلا آثار جانبية كمثل تلك التي تنتج عن استخدام الفحم أو حتى النفط، وبالتالي، فإن الطاقة النووية تساهم مساهمة جدية في تقليل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، والعمل على الخلاص من كارثة الاحتباس الحراري. في هذا الإطار تبدو الإمارات العربية المتحدة مسايرة لتطورات المشهد الدولي، وقد جاء تشغيل محطة «براكة»، للطاقة النووية السلمية بشكل تجاري الأيام القليلة الماضية، ليدشن عصراً جديداً من التنمية في الدولة الرسالة، ما يعكس فعلاً وقولاً الرؤية الاستشرافية للقيادة الحكيمة التي تعزز مكانة الدولة إقليمياً وعالمياً. النفط والغاز والفحم، أرصدة يمكن أن تُستنفد في يوم قريب، فيما الطاقة النووية باقية وخلاقة، ولا تحتاج المفاعلات إلا لصيانة دورية لتعظيم الأرباح الصادرة عنها.
أما الأمر الآخر فهو أن العالم يوما تلو الآخر يكتشف أن بيع النفط على سبيل المثال، وفي حالته الخام، لا يحقق المردود المتوقع منه إذا تم تصنيعه وتضمينه صناعة البتروكيماويات ذات المردود العالي والغالي.
ولعل الناظر إلى غالبية إنْ لم يكن كل الخطط التنموية في المنطقة العربية، سواء كان مداها الزمني 2030 أو 2040، سيجد أنها تتضمن رغبة حقيقية في عملية تنموية مستدامة على كافة الأصعدة، وتعكس إدراكاً بأن الحاجة إلى مسارات جديدة لتوليد الكهرباء، باتت تتجاوز مقدرات وسائل الطاقة التقليدية، لا سيما مع التوسع في عمليات زراعة الصحراء، واستكشاف آفاق الفضاء، عطفاً على الاحتياجات اليومية في انتاج الغذاء، والدواء، ودعم كافة قطاعات الدولة بحاجاتها الضرورية لبقائها عاملة وفاعلة.
تمضي الإمارات العربية المتحدة بخطى الواثق والمستبصر لقادم الأيام، وهذا ما تجلى في كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حين اعتبر أن الإنجاز الكبير الذي تحقق في محطات «برّاكة» للطاقة النووية السلمية، يأتي ضمن خريطة طريق بعيدة المدى لدولة الإمارات العربية المتحدة، ورؤية وطنية مستقبلية لتحقيق ازدهار اقتصادي مستدام.
الطريق إلى« براكة»، في واقع الحال اقتضى جهدا إماراتياً كبيراً للوصول إلى تلك اللحظة الحيوية والمصيرية في حياة الدولة، وهذا ما أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حين أشاد بجهد استمر عشرة أعوام، وأيادٍ عاملة لنحو 2000 مهندس وشاب إماراتي، و80 شريكاً دولياً، فيما الأهم وعلى حسب تعبير سموه، رؤية قائد أدخل الإمارات مرحلة تنموية غير مسبوقة. باختصار غير مخل، «برّاكة»، علامة تميز إماراتية جديدة على طريق التنمية والنجاح والريادة.

* كاتب مصري