إلى وقت قريب، كانت مصر والأردن وسوريا والعراق هي الدول التي تشكل قلب الشرق الأوسط، وكانت الدول العربية المحاذية لتركيا وأيضاً دول الخليج العربي هما الجناحان اللذان يطير بهما هذا الطائر العملاق، فلم يهنأ لتركيا بال حتى انقضت على سوريا لتفكيكها وظلت إيران ومنذ حرب الخليج الأولى ولغاية اليوم، تحاول تحطيم العراق وتستثمر في الخراب في كل من لبنان وسوريا واليمن للقضاء على المشروع العربي، الذي حملته دول الخليج منذ أحداث الربيع العربي المؤسفة.
نجت مصر بإعجوبة وعادت بهمة رجالها وقياداتها ودعم السعودية والإمارات إلى مكانتها الإقليمية، ونجا الأردن بحكمة قيادته الهاشمية الصبورة والحكيمة وتحمل شعبه الظروف القاسية التي مرت بها البلاد، وينهض العراق، شيئاً فشيئاً من منظومة معقدة تسللت إليها الجماعات الإرهابية بعد الحرب في العام 2003، وسيطرت عليها ميليشيات تابعة للخارج وتنقل بضاعة أنظمة فاسدة في السلطة. ووقعت سوريا في خضم معركة مصيرية طويلة تدخلت بها قوى عديدة، شرق أوسطية وعالمية، فتحولت إلى ساحة حرب مفتوحة ما زال الأمل معقوداً على انتهائها قريباً.
منذ العام 1921، بدأت الأردن مسيرته كدولة حديثة، فوقف الهاشميون لبنائها ووضع أسسها لبنة لبنة، وكانت قسوة حرب العام 1948 ثم حرب العام 1967، وما كان بينهما وما لحقهما من مؤامرات حيكت حول القيادة الهاشمية، قد أسهمت بتقوية النظام الأردني وجيشه والتفاف شعبه حوله بخروج الجماعات الفلسطينية المتطرفة التي حاولت الانقلاب على الملك الحسين بن طلال في العام 1970، فشهد الأردن ثورة بناء وتنمية حقيقية، ترتكز على الإنسان حتى العام 1988 حين قرر الأردن فك الإرتباط مع الضفة الغربية، بناء على طلب الراحل ياسر عرفات ليتمكن من مفاوضة الإسرائيليين بشكل مستقل، والتي انتهت بتوقيع كل من السلطة الفلسطينية اتفاقية أوسلو، ثم توقيع الأردن اتفاقية وادي عربة عام 1993.
صيغة جديدة للأمن القومي العربي بدت في التسعينيات من القرن المنصرم، لكنها صيغة لم تكتمل ومعادلة لم تأخذ مكانها لأسباب عديدة على رأسها عدم وضوح الرؤية حول تهديدات الأمن القومي العربي الحقيقية، فظهرت جماعات إرهابية متعددة كـ«القاعدة» و«داعش» وراحت تغرز أظافرها في الجسد العربي مدعومة بدول تمثل محاور الشر والإرهاب في العالم، وكان معظمها يدور حول الأردن وعلى حدودها الطبيعية ويحاول اختراقها لتركيعها. ولن ينسى العالم كله مشاهد تعذيب ومقتل النقيب الطيار الأردني «معاذ الكساسبة» حرقاً على أيدي عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي في العام 2015، ولكن وبدعم منقطع النظير من الجناح الأيمن الخليجي تمكن الأردن من اجتياز تلك المرحلة الخطيرة، واجتياز ثورات «الربيع العربي» والمؤامرات الكثيرة التي حيكت حوله، فصمد رغم الظروف القاسية، وانحازت القيادة الهاشمية لشعبها، فأغلقت قوات الأمن الأردنية مقر جماعة «الإخوان المسلمين» في أبريل 2016 ، وقررت وأد تلك الفتنة نهائياً في يوليو 2020 بحل جماعة «الإخوان المسلمين» وإنهاء محاولتهم الدائمة تفتيت اللحمة الأردنية منذ فك الإرتباط في العام 1988.
عندما اكتملت الصيغة الجديدة للأمن القومي الإقليمي، في سبتمبر 2020، بتوقيع الإمارات اتفاقية سلام مع الجانب الإسرائيلي، اتضحت الرؤية الصحيحة حول ماهية التهديدات الحقيقية للأمن القومي العربي، والتي كانت تعمل سنوات طويلة بأجندات مختلفة سواء التهديد الإيراني المتمثل في احتلال غير مباشر لدول عربية كالعراق وسوريا واليمن ولبنان أم التهديدات التركية في الانقضاض على ليبيا وسوريا والعراق، وكذلك تهديدات الجماعات الإرهابية التي ظلت تحاول تهديد مصر والأردن والعراق داخلياً، والتآمر للقضاء على الوحدة الوطنية بعقد الصفقات ووضع الخطط للانقلابات، ومحاولة توجيه الشارع عبر الأذرع الإعلامية المشبوهة ومواقع التواصل الاجتماعي، ودفع شعوب هذه الدول لتفقد الثقة بأنظمتها وقياداتها الوطنية المخلصة.
سيحكي التاريخ أن الأردن بقيادته الهاشمية الحكيمة، وخلال العام الذي يحتفل فيه بمئويته، قد وقف في وجه جميع المؤامرات التي حاولت تحطيمه وتفتيت لحمته الوطنية، وأنه قد نهض في ظل ظروف قاسية داخلية وخارجية، فوأد الفتنة ووضع حداً لكل من تسول له نفسه بخرق وانتهاك كرامة وشهامة نشامى الأردن، الذين عرفهم التاريخ بصدقهم وإخلاصهم والتفافهم حول قيادتهم الهاشمية المظفرة.
الإمارات، وكعادتها، كانت أول من أعلن التأييد والمساندة التامة لكل القرارات والإجراءات التي يتخذها جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، وولي عهده سمو الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، لحفظ أمن واستقرار الأردن.