مرت 100 يوم على تولي مايا ساندو منصب رئيس مولدوفا، وهي أول امرأة تتولى هذا المنصب. وخاضت ساندو حملتها الانتخابية على أساس برنامج يؤيد الاندماج في أوروبا، وقادت مولدوفا في هذا الاتجاه لتنهي توجه البلاد المؤيد لروسيا في ظل سلفها إيجور دودون. ووعدت ساندو بمكافحة الفساد على المستويات العليا، ووعد الاتحاد الأوروبي بدعم جهودها. ورغم هذا النجاح، مازالت قيادة ساندو مقيدة في الداخل بالبرلمان الذي يعارض فيما يبدو أي محاولات لإصلاح الفساد. كما أن قبضة روسيا القوية على المنطقة قد تعرقل تقارب مولدوفا مع الغرب. 

وانطلقت ساندو، بعد قليل من تنصيبها، في رحلة دبلوماسية مؤيدة للاتحاد الأوروبي وزارت بروكسل وباريس للاجتماع مع زعماء الاتحاد الأوروبي ونقل رغبة مولدوفا في الاندماج في الاتحاد الأوروبي. وأعطت ساندو أيضاً أولوية لعلاقات مولدوفا مع أقرب اثنين من جيرانها، رومانيا وأوكرانيا. وتحركات ساندو في السياسات الخارجية تتناقض مع تحركات دودون الذي أعطى الأولوية للعلاقات مع روسيا واجتمع بالرئيس فلاديمير بوتين 14 مرة على الأقل. ولم يزر دودون رسمياً قط رومانيا أو أوكرانيا ولم يستقبل زعماء البلدين. فلماذا تغير الجمهوريات السوفييتية السابقة ولاءها هكذا؟

الدراسات توضح الطريقة التي يتبعها كل من الاتحاد الأوروبي وروسيا في تشكيل المؤسسات السياسية في الدولة السوفييتية السابقة. فقد استخدم الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، وعود الانضمام إليه والدعم المالي للترويج للديمقراطية. أما تأثير روسيا فيتضمن عادةً دعم المؤسسات الاستبدادية من خلال المساعدات السياسية والاقتصادية والعسكرية. 

وتكشف دراساتي عن أن الوعد الموثوق فيه بالعضوية في الاتحاد الأوروبي يمثل حافزاً قوياً. وحين لا تتوافر العضوية في الاتحاد الأوروبي يغير زعماء دول ما بعد الاتحاد السوفييتي توجههم السياسي استراتيجياً، ويتأرجحون بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، اعتماداً على مدى ما يحققه لهم تحيز معين من الحصول على السلطة أو الاحتفاظ بها في الداخل. ودون طريق واضحة إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، ومع عروض مقابلة من موسكو، كان زعماء هذه الدول أقل استعداداً لتطبيق شروط التكتل من أجل الانضمام، والتي تتضمن نمطياً الإصلاحات الديمقراطية ومكافحة الفساد. 

وهذا التأرجح الاستراتيجي يعتبر من معالم سياسة مولدوفا الخارجية. ففي عام 2014، وقعت مولدوفا اتفاقاً مع الاتحاد الأوروبي ووافقت فيه أساساً على التزام مؤسساتها وسياساتها الداخلية بمعايير الاتحاد. وفي مقابل الإصلاحات الديمقراطية في مولدوفا، تعهد التكتل بمساعدات اقتصادية و«إمكانية دخول أفضل لسوق الاتحاد الأوروبي»، لكن دون وعد مؤكد بالحصول على عضوية التكتل. وأثناء فترة ولاية دودون (2016-2020) تخلت مولدوفا عن التزاماتها بالإصلاح لعام 2014، ووجهت التطورات السياسية الداخلية البلاد نحو موقف مؤيد لروسيا. وعلق البرلمان الأوروبي بعض المساعدات الاقتصادية الكبيرة لمولدوفا، مشيراً إلى مخاوف من أن «الدولة استحوذت عليها مصالح الأولجاركية» (الأثرياء أصحاب النفوذ السياسي)، وأن الحكومة تكبح النظام القضائي. وفي مؤشر مدركات الفساد لعام 2020، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، احتلت مولدوفا المرتبة الثالثة بين أكثر الدول الأوروبية فساداً. 

والتزامات «ساندو» الداخلية، وخاصة تعهدها بمحاربة الفساد وتوطيد الديمقراطية، تعني أن تتجه مولدوفا إلى سياسة خارجية مؤيدة للاتحاد الأوروبي. والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة هما أكبر داعمين ماليين لمولدوفا. ويدعم الاتحاد الأوروبي ميزانيتها ويضخ فيها استثمارات، كما تقدم الولايات المتحدة دعماً لقطاعات البنية التحتية والطاقة والزراعة. ومساعدة الاتحاد الأوروبي تتوقف على شروط صارمة وترتبط بتحقيق مولدوفا تقدماً مرْضياً في تطبيق إصلاحات مناهضة للفساد وداعمة لحكم القانون. ويرى محللون أن انتخاب «ساندو» يمثل علامة على تأييد الناخبين للتحول المؤيد لأوروبا في الأولويات وإدخال إصلاحات على النظام القضائي. 

وقطعت «ساندو» خطوات دبلوماسية مهمة في الخارج، لكنها تواجه الآن أزمة سياسية في الداخل. ففي 25 مارس، لم يتمكن البرلمان في محاولته الثانية من انتخاب رئيس للوزراء. ودون حكومة برلمانية لن تستطيع «ساندو» تنفيذ إصلاحات ديمقراطية. وتطلب «ساندو» الآن المحكمة الدستورية السماح لها بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة. والصراع السياسي يصعد بالانقسام بين روسيا والاتحاد الأوروبي في مولدوفا إلى الواجهة. فقد رشح البرلمان، في تحد لساندو، فلاديمير جولوفاشيك، السفير المولدوفي الحالي لدى موسكو لمنصب رئيس الوزراء. لكن هذا لن يستسيغه الشركاء الغربيون لمولدوفا. وفي مارس أيضاً، أعلن سفير الاتحاد الأوروبي لدى مولدوفا أن المساعدات المالية الأخرى للبلاد تتوقف على وجود حكومة «محل ثقة» يمكنها العمل دون تدخل من الفساد والمصالح الخاصة. ونقل السفير الأميركي ديريك هوجان رسالة مشابهة، قائلاً: «لم يعد بإمكان الساسة الفاسدين أن يحددوا مسار مستقبل البلاد». 

وإلى جانب التحديات الداخلية، تواجه ساندو معارضة روسيا لموقفها من الاتحاد الأوروبي. وتشير الدراسات إلى جنوح روسيا لمعاقبة الدول السوفييتية السابقة التي تسعى للاندماج في الغرب. ولدى الكرملين مهارات في استغلال الضعف الداخلي في هذه الدول في سبيل دعم نفوذ روسيا في المنطقة. وبعد تصريحات السفيرين الغربيين في مارس، اتهمت روسيا الغرب بالتدخل في الشؤون الداخلية لمولدوفا. وفي نوفمبر الماضي، طالبت ساندو، المنتخبة حديثاً حينها، بسحب القوات الروسية من منطقة ترانسنستريا المنشقة والمدعومة من موسكو. لكن الكرملين حذّر من احتمال أن يؤدي سحب القوات إلى «زعزعة استقرار خطيرة» في المنطقة. 

ويرجح أن يتفاقم التدخل الروسي. ومع توتر العلاقات حالياً بين روسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ستظل المنطقة في مواجهة ضغوط متصاعدة من موسكو. وربما يكون احتمال الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي أقوى حافز لمواصلة مولدوفا وأوكرانيا التوجه السياسي الخارجي المؤيد للغرب. لكن الفساد على المستويات العليا في كلا البلدين والمواقف الجيوسياسية الحالية بين روسيا والغرب.. كل هذا قد يحول دون تحقق ذلك الوعد. وحالياً، قد تركز الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الدعم السياسي والفني والمالي لمولدوفا، ومازال من غير الواضح ما إذا كان دعمهما سيكون كافياً لمساعدة ساندو في تطبيق النمط الديمقراطي في مؤسسات الدولة وإصلاح النظام القضائي وتوطيد توجه البلاد نحو الاتحاد الأوروبي. 

 

مُحاضِرة في الدراسات الدولية بمعهد لودر بجامعة بنسلفانيا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»