هل نجحت بكين في صناعة مقاربة إقليمية تجاوزت مراوحة واشنطن في الملف النووي الإيراني؟ وهل الجولة المكوكية التي قام بها وزير الخارجية الصيني وانغ يي، هي دافع واشنطن للمشاركة ولو على استحياء في اجتماع الجمعة الفائت؟ اتفاقية ربع القرن الموقعة بين بكين وطهران مثلت مدخل تلك المقاربة، خصوصاً أن طهران تدرك أنها بلغت مرحلة من الانهاك والعزلة داخلياً وخارجياً.
تلك هي حقيقة التحديات التي تواجهها طهران، وبكين تبحث عن صيغة أكثر توازناً في علاقاتها الخليجية الإيرانية، فهل حققت جولة «وانغ يي» مبتغاها. تلميح طهران عن نيتها إغلاق محطة بوشهر النووية، مثل نقطة تحول في موقفها العام من ملفها النووي، ودول الخليج العربية لطالما تحفظت على وجود هذه المحطة على ضفاف الخليج نتيجة عدم ثقتها في كفاءة التشغيل وضمانات السلامة النووية الإيرانية. وبكين تدرك أن شركاءها الخليجيين لم يعد بإمكانهم تجاهل عدم التوازن في العلاقات القائمة، وأن مصالحها قد تتأثر في حال فشلت في ترجمة ذلك التوازن عبر خطوات ملموسة.
جولة وانغ يي شملت غالبية العواصم الخليجية، فهل قدمت بكين ضمانات خاصة لحلفائها الخليجيين كجزء من مقاربتها الخاصة «فرضية»، وربما كان ذلك سر مسار الجولة الخليجية. وفي شقها الآخر تمهيداً لقمة الجمعة الافتراضية بين مجموعة (5+1) بعد إقناع طهران بتقديم محطة بوشهر عربون نوايا حسنة وورقة ضغط بيدها ضد واشنطن. فهل سنرى اختراقاً آخر في فيينا هذا الأسبوع؟
طهران لم تكن تملك ترف تأخير توقيع الاتفاقية الاستراتيجية مع بكين لما تمثله معنوياً لنظامها السياسي، خصوصاً مع دخول عملية العصيان المدني «رغم تقطعها» عامها الثالث، وتنامي الأعمال العسكرية في مناطق الأقليات، مثل بلوشستان والأحواز. فالدولة الثورة لم تعد تملك العمق الاجتماعي وطنياً لعضد استدامة نظامها القائم، أو مفهومها للدولة الثورية. وحتى تسويق استحقاقاتها التاريخية عبر المظلومية التاريخية للشيعة، فإنه لم يعد يحظى بالتعاطف الدولي مهما كان مسوغ ذلك التعاطف حينها. لذلك قبلت طهران باتفاقية المقايضة مع بكين على نفطها مقابل منتجات صينية. والسؤال: وهل سيخضع برنامج إعادة تسليح طهران للضمانات المقدمة من بكين لحلفائها الخليجيين (في حال صحت تلك الفرضية). 
بكين تدرك حجم حاجتها لمثل هذا الاختراق الاستراتيجي على المستويين الإقليمي والدولي، وخصوصاً حال نجحت في تعميق حالة عدم الثقة القائمة بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين وليس فقط في الملف النووي الإيراني. وفي الوقت نفسه، فإن مثل هذا النجاح سيوفر الكثير من الرصيد المعنوي لبكين في ملفات أخرى وعلى رأسها جائحة «كوفيد -19».
هل ستمثل هذه المقاربات مدخلاً أبعد من ذلك بين واشنطن وبكين حول مفهومهما لأدوات التزاحم فيما بينهما وخطر ذلك على الاستقرار الدولي، وهل تملك طهران التخلي عن مفهوم الدولة الثورية والتحول لدولة طبيعية. وما هو شكل مفهومهما المشترك حينها من احتواء إيران. الحالة الدولية في حاجة ماسة لحدوث، مثل ذلك التوازن جيواستراتيجيا، ونتمنى أن تجتهد بكين في تخليق مقاربات مماثلة مع عموم دول جوارها في الجرف الباسيفيكي.
* كاتب بحريني