طريق الحرير مبادرة صينية حديثة أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013، وتقوم على إحياء طريق الحرير التجاري الذي تكوّن قبل حوالي ألفي عام، وتم اكتشافه في القرن التاسع عشر، ويربط الصين بدول العالم. وتتمحور المبادرة الجديدة حول توسيع التجارة العالمية من خلال إنشاء شبكات من الطرق والموانئ والمرافق الأخرى تربط الصين ببلدان عديدة في آسيا وأفريقيا وأوروبا، بغية تسريع وصول المنتجات الصينية إلى الأسواق العالمية، كما تشتمل المبادرة على حزمة من التمويلات الصينية لمشاريع البنية التحتية في أرجاء العالم باسم «مبادرة الحزام والطريق». وينقسم مشروع طريق الحرير الجديد إلى شقين: الشق البري ويمتد من الصين إلى كازاخستان، مروراً بإيران وتركيا وروسيا وألمانيا، وينتهي بإيطاليا.. والشق البحري الذي يبدأ بالصين ويمر بفيتنام وماليزيا والهند وسيرلانكا وكينيا واليونان، وينتهي أيضاً بإيطاليا.
وقد وقّعت الصين وإيران قبل أيام مذكرة تفاهم لاتفاقية الـ25، والهادفة إلى تعميق الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الطرفين في مجالات النفط والطاقة والبنى التحتية والمجالات الأمنية والعسكرية والصناعية، والاتفاق على إنشاء مناطق تجارة حرة في السواحل الجنوبية لإيران. وتمتد الاتفاقية 25 عاماً، وقد جاء توقيعها بعد خمس سنوات من الإعلان عنها في 2016، والذي رافقته تسريبات حول بعض بنودها التي لم تنشر حتى بعد توقعيها رسمياً. والاتفاقية «جزء» من طريق الحرير الجديدة بحسب تصريحات الطرفين الصيني والإيراني. ومن غير المستغرب أنها جاءت في وقت يعرف توتراً في علاقة كل من البلدين بالولايات المتحدة؛ فكلاهما يخضعان لعقوبات أميركية مع اختلاف الأسباب؛ فالصين بالنسبة لأميركا منافس اقتصادي واستراتيجي على النفوذ العالمي ولاعب مؤثر وجزء من مجموعة دول (5+1)، بينما إيران دولة نفطية تخضع للعقوبات بسبب نشاطها النووي وتدخلاتها الإقليمية المزعزعة للأمن والاستقرار.
وحيث إن إيران تشكل حجر الزاوية في مشروع طريق الحرير الصيني، فإن هذا الاتفاق قد يعطيها شعوراً بالانتشاء وبالقدرة على كسر العزلة السياسية التي فُرضت عليها بموجب عقوبات أميركية أنهكتها سياسياً واقتصادياً. وكما نعلم، فإن الصين تركز على تطوير الموانئ الإيرانية، وتحديداً ميناء شهبار المطل على بحر العرب. ومن المحتمل والحال هذه أن تعتمد الصين على النفط الإيراني على حساب وارداتها من الدول الأخرى المنتجة والمصدّرة للبترول.
وقد تواجه اتفاقية الـ25 بعض العقبات، أهمها أن الغرب يرى الصورة بمنظار مغاير يسلط الضوء على مصالحه وتحالفاته، وهو يرى أن إيران قد تصبح قاعدة متقدمةً للصين في مناطق نفوذ الولايات المتحدة وأوروبا، هذا بالإضافة إلى وجود رفض داخل إيران نفسها لفكرة الإذعان للصين مقابل استخدام الأراضي والمقدرات الإيرانية، حيث خرجت بعيد توقيع الاتفاقية مظاهرات تطالب بنشر محتوى الاتفاقية.
كما أن العقوبات المفروضة على إيران قد تعرّض الشركات الصينية المشاركة في أعمال اتفاقية الـ25 لعقوبات تمنعها من العمل داخل الولايات المتحدة، كما حدث مع الشركات الأوروبية خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق ترامب، حين هددها بعقوبات تمنعها من العمل في بلاده حال استثمرت مع إيران في مجالات التكنولوجيا والطاقة والنفط.
التوقيت متوتر وأميركا لم تعلق رسمياً بعد على الاتفاقية، لكن المؤكد أنها لا تشعر بالارتياح للتقارب الصيني الإيراني الذي يحمل بدوره رسالة ضمنية للجانب الأميركي حول تكريس التنافس على النفوذ العالمي وسعي الصين للانتقال من دولة التجارة إلى دولة السيادة.
والسؤال هنا هو: هل ستجبر هذه الاتفاقية إيران على الكف عن تدخلاتها في دول المنطقة واحترام سيادتها، خصوصاً وأن الصين اشترطت استقرار المنطقة لضمان تنفيذ بنود الاتفاقية، أم أنها ستعزز من أعمالها العدائية مستقويةً بورقة جديدة؟! 
ما يهمنا نحن في الخليج تجاه هذا الملف هو أن التقارب الخليجي الصيني يسير في الطريق الصحيح، بعد ما حملته زيارة وزير الخارجية الصيني تشن وي تشينغ قبل أيام لدول المنطقة من رسائل جيدة تخص تعزيز التعاون المشترك في مجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا والطاقة النووية وعلوم الفضاء ومجالات النفط والغاز، وتعزيز التعاون في بناء «الحزام والطريق».. فالصين في نهاية المطاف إمبراطورية اقتصادية وحليف سياسي مثابر لا يستهان به. والتعاون مع دولة بحجم الصين، وعلى طريقها شبه الممهد بالحرير، قد يكون أفضل من طريق تعكره المساومات وشعارات حقوق الإنسان المغرضة!

*كاتبة سعودية