يعد مشروع الدراسة الجامعية لمنتسبي الخدمة الوطنية الذي تم إطلاقه قبل أيام من جانب «هيئة الخدمة الوطنية والاحتياطية»، بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم مبادرة نوعية تستهدف الاستثمار الأمثل لفترة الخدمة الوطنية في توفير مسار تعليمي عصري لهؤلاء المنتسبين، خاصة في ظل نجاح تجربة التعليم الرقمي التي تطبقها الدولة بكفاءة عالية منذ ظهور جائحة كورونا نهاية عام 2019. كما تؤكد هذه المبادرة أن مشروع الخدمة الوطنية منذ إطلاقه في عام 2014 لم يكن يستهدف فقط رفد القوات المسلحة بدماء جديدة من شباب الوطن، وتدريبهم وتأهيلهم ليكونوا على أهبة الاستعداد للدفاع عن الوطن، وإنما أيضاً المساهمة في إعداد الثروة البشرية المواطنة، والاستثمار في قدراتها لتمثل إضافة حقيقية إلى قوة العمل الوطني. 
ولا شك في أن هذا المشروع الذي يسمح لجميع المنتسبين من طلبة الثاني عشر خريجي العام الدراسي 2020/2021، الذين سيلتحقون بالدفعة الـ 16 والدفعات التي تليها بدراسة المساقات الجامعية بنظام التعليم عن بُعد، بهدف ضمان مواصلة الطالب دراسته الجامعية أثناء فترة الخدمة الوطنية يجسد حرص القيادة الرشيدة في الإمارات على تشجيع الشباب على توظيف فترة الخدمة الوطنية بشكل فاعل، والاستفادة من الإمكانيات التي تتيحها لهم القوات المسلحة في استكمال دراساتهم الجامعية، خاصة أن فترة الخدمة الوطنية، بما تحدثه من تأثير إيجابي في شخصية الطلاب وإكسابهم مهارات متنوعة وبما تغرسه فيهم من قيم المسؤولية والالتزام والجدية وحسن التخطيط وإدارة الوقت، تمثل فترة إعداد أنموذجية لهم، وتحفزهم على مواصلة التعلم وتطوير المهارات فيما بعد، لأنه حينما ينخرط هؤلاء الشباب في مشروع الدراسة الجامعية عن بُعد أثناء فترة الخدمة الوطنية، فسيكتسبون خبرات ومهارات نوعية ستستمر معهم بعد ذلك، وهذا هو جوهر فلسفة مشروع الخدمة الوطنية، الذي استطاع خلال السنوات الماضية أن يكون أحد الروافد المهمة في تنمية الثروة البشرية المواطنة، حيث تتضمن البرامج التدريبية التي يوفرها لمنتسبيه المهارات النوعية، التعليمية والتربوية والقيادية، وهي المهارات التي يحتاجها الشباب في حياتهم المستقبلية.
في الوقت ذاته، فإن مشروع الدراسة الجامعية لمنتسبي الخدمة الوطنية يواكب التطورات والمستجدات العالمية التي تنظر إلى المؤسسات العسكرية من منظور متكامل، يأخذ في الاعتبار الجوانب الفنية المتخصصة والتعليمية والتربوية والقيادية، ويضع قيم التعلم والابتكار والتطوير ضمن معايير تقييم القوات المسلحة ودورها في خدمة المجتمع، وهذا ما يفسر حرص القوات المسلحة في الدول المتقدمة على توفير فرص التعليم النوعي والمتميز للمنسبين إليها كافة، ولهذا فإن سماح هيئة الخدمة الوطنية والاحتياطيه لمنتسبيها بالالتحاق بالتعليم الجامعي يواكب الأدوار الجديدة للمؤسسة العسكرية في العصر الحديث، والتي تتضمن القيام بمهام تربوية وتعليمية متكاملة، والمساهمة في تنشئة الشباب على القيم الإيجابية التي تعمق لديهم الإحساس بالمسؤولية والالتزام. 
ولا شك في أن إعلان هيئة الخدمة الوطنية والاحتياطية عن مشروع التعليم الجامعي عن بُعد لمنتسبيها في عام الخمسين وهو العام الذي تحتفي فيه الإمارات باليوبيل الذهبي لتأسيسها، وتستعد خلاله أيضاً للانطلاق إلى مرحلة جديدة في مسيرتها التنموية للخمسين عاماً المقبلة، عبر استراتيجية طموحة تعتمد على الشباب المتسلح بالعلم والمعرفة ومنظومة القيم الإيجابية، إنما يعكس في جوهره ما تتمتع به القوات المسلحة من فكر استشرافي يواكب المستقبل، والتزام بالمسؤولية الوطنية في أن تكون في مقدمة المؤسسات التي تشارك في ترجمة طموحات الإمارات المستقبلية كما كانت خلال العقود الخمسة الماضية، فلم تكن فقط قوة للدفاع عن الوطن، والحفاظ على مقدراته المختلفة، وإنما أسهمت بدور فاعل ورئيس في تعزيز مكتسباته التنموية، وتأهيل الكوادر المواطنة للعمل في مختلف مجالات العمل الوطني، وها هي تتعاون الآن من خلال هذا المشروع مع مؤسسات التعليم العالي في تنمية العنصر البشري المواطن، وتأهيله ليكون على أهبة الاستعداد للانخراط في رحلة الإمارات التنموية للخمسين عاماً المقبلة.
* إعلامي وكاتب إماراتي