على مدار 50 عاماً لم يغب الشيخ الراحل حمدان بن راشد آل مكتوم عن المشهد الإماراتي، وهو الذي شغل العديد من المناصب وأعطى بلده كل ما يستطيع كعاشق للأرض والناس. على مدى 50 عاماً وهو حاضر في مواقع رسمية مختلفة، ولأنه كان قريباً من الجميع فقد شكّل نبأ رحيله صدمة لكل من عاصروه وعايشوه وشهدوا تجربته الحكومية كمسؤول، إلى جانب إنسانيته العالية، وكل ذلك جعل الألم يتمكّن من نفوس هؤلاء، لأنهم لا يستطيعون نسيانه كأحد الرجال الذين تحمّلوا مسؤولياتهم في الإمارات وسواها.
قبل الاتحاد شغل الراحل منصب رئيس بلدية دبي، وتلك كانت فاتحة عهده مع المسؤوليات العامة، لكن ثقة الحكومة به قادته إلى منصب آخر إلى جانب السابق، فكُلِّف بمنصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية والاقتصاد والتجارة والصناعة في أول حكومة اتحادية. ولا شك أن هكذا مسؤولية كانت صعبة للغاية في الظرف التاريخي الذي حملها خلاله، إلا أنه كان على قدرها تماماً، وهو الذي أسهم في وضع اللبنة الأساسية الأولى للنظام المالي، وأشرف على تطويره لضمان مواكبته عملية بناء الدولة، فكان أحد الرجالات الذين تم الاعتماد عليهم لرسم سياسة دولة الاتحاد في القطاعات المصرفية والمالية. كما أنه وخلال حياته، «رحمه الله» لم يتأخر عن القيام بواجباته بدافع وطني خالص، وذلك بشهادة البعيد قبل القريب، خصوصاً وأنه ظلّ على رأس مسؤولياته إلى آخر لحظة من عمره الذي قضاه في حب العمل والبذل والعطاء.
لا أحد ينكر دور الشيخ حمدان بن راشد في نمو مصرف الإمارات المركزي بدايةً، وذلك نتيجة الحرص التام على استقلالية المصرف بسياساته وتشريعاته، كما أن لا أحد يتغاضى عن قيمة جهده فيما هو مرتبط بتأسيس وتطوير القاعدة الصناعية في الإمارات، أي بما يتعلق بقطاع الألمنيوم، فإلى الراحل يعود الفضل في نمو هذا القطاع منذ سبعينيات القرن الماضي، ومن ثم وصوله إلى موقع المنافسة.
لا يمكننا ونحن نستعيد سيرة الراحل إلا أن نعرّج على جانب في غاية الأهمية، وهو بعيد عن الجانب الرسمي. فعلى المستوى الشخصي كلنا يعرف الشيخ حمدان صاحب لقب «القلب الكبير»، وكلنا يدرك أن فقدنا له كبير، وغيابه مؤلم لنا، ليس فقط لأنه جزء من ذاكرة الإمارات ومن أخيار أبنائها، بل لأنه أيضاً قد أولى فعل الخير اهتماماً خاصاً - على الدوام - داخل الإمارات وخارجها، منطلقاً في ذلك من وازع أخلاقي إنساني عالٍ. إلى جانب دعمه قطاعي الصحة والتعليم، باعتبار أنهما كانا الأقرب إلى قلبه. ولعل جائزة حمدان بن راشد للأداء التعليمي المتميز التي أطلقها عام 1998 وحملت اسمه؛ توضح رؤيته وحرصه على ترسيخ ثقافة التميز والإبداع والابتكار في ميدان التعليم بغية تطويره وتعزيز فرص ارتقائه.
الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم ليس بيننا اليوم بجسده، غير أن روحه حاضرة في كل ما قام به من مسؤوليات، وكل عمل ارتجى به خيراً، وسيظل اسمه جزءاً من تاريخ دبي التي بدأ فيها عمله العام، وصولاً إلى دولة الاتحاد التي ترك فيها بصمة واضحة ومعروفة وموثقة.
حبه ودماثة خلقه ورقيّه بعض من صفاته التي تحلّى بها، وكل ما عُرِف عنه من فعل حميد يشرّفنا كإماراتيين، وأملنا كبير أن تكون سيرة شخصه في كل الميادين التي خدمها وقدّم لها؛ مدرسةً لأبنائنا وبناتنا، وأن يكون مسار حياته بما فيه حب الوطن نهجاً لهم. فزارع الخير دوماً لا يحصد إلا ثمار خير.
غادرنا الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم تاركاً اسمه الذي سنظل نذكره طالما حيينا، وكيف يُنسى رجل مثله، قلبه الكبير ظل ينبض عطاءً إلى آخر زفرة.