خطت المملكة العربية السعودية خطوة شجاعة الأسبوع الماضي على طريق إنهاء الحرب المستمرة في اليمن منذ ست سنوات، بإعلان مبادرتها لإنهاء هذه الحرب والتوصل إلى حل سياسي للأزمة يتضمن وقفاً شاملاً لإطلاق النار في جميع أنحاء البلاد تحت مراقبة الأمم المتحدة، وفتح مطار صنعاء الدولي لعدد من الرحلات المباشرة الإقليمية والدولية، وبدء المشاورات بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي برعاية الأمم المتحدة، وبناءً على قرار مجلس الأمن رقم 2216، والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل.
جاءت الخطوة السعودية الشجاعة التي لاقت ترحيباً إقليمياً ودولياً واسع النطاق كاشفة عن ثلاثة أمور مهمة، أولها حرص المملكة وتجاوبها البناء مع كافة الجهود والمبادرات الرامية إلى وضع حد لهذه الأزمة بما يكفل استعادة الأمن والاستقرار لليمن خاصة والمنطقة عامة، وتوفير الأجواء المناسبة لإنجاح الجهود التي يقودها المبعوث الأممي مارتن جريفث. وإيصال رسالة واضحة للإدارة الأميركية الجديدة ولكافة الأطراف الدولية أن الرياض هي أكثر الأطراف حرصاً على رؤية نهاية لهذه الأزمة التي تسبب فيها الانقلاب «الحوثي» على الشرعية، بشرط أن يضمن ذلك حماية أمن المملكة والالتزام بقرارات الشرعية الدولية في هذا الصدد، وهو الأمر الذي حظي بترحيب إدارة بايدن.
الأمر الثاني هو الدور الكاشف لهذه المبادرة لحقيقة الأطراف المعرقلة لعملية السلام في هذا البلد، فرغم شجاعة الخطوة السعودية، وحقيقة أنها تستجيب لمطالب ميليشيات الحوثي نفسها، فقد جاء الرد «الحوثي» عليها متحفظاً ورافضاً لها بدعوى أنها لا تلبي مطالبهم برفع كامل للحصار عن مطار صنعاء وميناء الحديدة الخاضعيْن حالياً لسيطرتهم، الأمر الذي كشف بجلاء إصرار هذه الميليشيات على إفشال كافة الجهود والمبادرات الرامية لإنهاء القتال، والعمل على إطالة أمد الأزمة الإنسانية، بل ومفاقمتها من خلال نهب المساعدات الإنسانية، غير أن المبادرة السعودية سحبت البساط من تحت أقدام هذه الميليشيات، وأضعفت قدرتها على تضليل المجتمع الدولي مجدداً.
أما الأمر الثالث فيتعلق بتأكيد الارتباط بين ميليشيا «الحوثي» وإيران؛ فالرفض «الحوثي» للمبادرة يأتي متناغماً مع التحفظ الإيراني عليها، ذلك لأن أي تسوية للحرب في اليمن لا تخدم مصالح إيران، التي تستغل أزمة اليمن عبر وكيلها «الحوثي» كأداة لتعزيز موقفها في التفاوض على الملف النووي مع الغرب، وزعزعة استقرار السعودية.
تقدم المبادرة السعودية لإنهاء الحرب في اليمن فرصة ثمينة لوضع حد لأزمة هذا البلد المستمرة منذ عشر سنوات، وتحتاج من المجتمع الدولي عامة والولايات المتحدة خاصة، دعمها بقوة من خلال الضغط على الطرف «الحوثي» للالتزام بها؛ أما إذا فشلت هذه المبادرة بسبب العناد «الحوثي»، فلن يكون من حق أحد توجيه أي لوم للمملكة التي تعمل على حماية الأمن والاستقرار في المنطقة، وقبل ذلك حماية أمنها القومي، وحماية الشرعية الدولية في اليمن.