أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، يوم الثلاثاء الماضي، طموح بلاده لأن تصبح «بريطانيا عالمية»، وكشف خطة مدتها عشر سنوات لتعزيز التجارة الدولية، ونشر القوة الناعمة حول العالم. لكن حكومة «جونسون» فاجأت كثيرين بإعلان اعتزامها تعزيز أسطولها من الرؤوس النووية أيضاً، وليس فقط في ردع التهديدات التقليدية، بل مواجهة الهجمات بالأسلحة الكيمياوية والبيولوجية، وربما أيضاً الهجمات الرقمية. 
وفي مراجعة شاملة لأولويات المملكة في العقد المقبل، أعلنت الوثيقة المؤلفة من 110 صفحات بعنوان «بريطانيا العالمية في عصر تنافسي» أن المملكة المتحدة سترفع الحد الأقصى لعدد الرؤوس النووية على متن غواصات «ترايندنت» في البحرية الملكية، من 180 إلى 260 رأساً، في زيادة بأكثر من 40%. وتعهدت الوثيقة أيضاً بالحفاظ على أسطول من أربع غواصات مسلحة نووياً وبقاء واحدة منها في البحر دوماً مستعدة للاستجابة. والهدف الجديد فيما يبدو هو إحداث عملية تحول كبيرة تغير التزام بريطانيا منذ أمد بعيد بحظر انتشار الأسلحة النووية. وقد ظلت بريطانيا قانعة منذ عقود بتقليص ترسانتها النووية العتيقة وليس تعزيزها. 
ولدى بريطانيا حالياً نحو 200 رأس نووية، وتعهدت حكومات «المحافظين» السابقة بتقليص عددها إلى 180 رأساً بحلول منتصف العقد الحالي. لكنها سترفع هذا العدد الآن إلى 260 رأساً نووية. وصرح دومنيك راب، وزير الخارجية البريطاني، للصحفيين أن البلاد لا تسعى لخوض سباق تسلح جديد، لكنها تريد ببساطة الحفاظ على الحد الأدنى من قوة ردع يمكن الوثوق بها. وأضاف راب، رداً علي سؤال لماذا؟: «لأنها الضامن النهائي وسياسة التأمين النهائية ضد أسوأ التهديدات من الدول المعادية». 
والوثيقة استغرق إعدادها عامين وتتوقع انتشاراً محتملاً للأسلحة النووية خارج بريطانيا، إلى جانب انتشار أسلحة تقليدية متقدمة و«تكنولوجيات عسكرية مستحدثة». وتشير الوثيقة إلى أن بريطانيا «لن تستخدم أو تهدد باستخدام الأسلحة النووية ضد أي دولة غير نووية». لكن الوثيقة أضافت: «نحتفظ بحق مراجعة هذه التأكيدات إذا لزم الأمر، في حالة وجود تهديدات في المستقبل من أسلحة دمار شامل مثل القدرات الكيماوية والبيولوجية أو التكنولوجيات الناشئة التي قد يكون لها تأثير مقارن». 

وذكرت الحكومة البريطانية أن الزيادة في الرؤوس النووية تأتي في إطار «إدراك البيئة الأمنية الآخذة في التطور، بما في ذلك تطور طائفة من التهديدات التكنولوجية». والخبراء الذين فحصوا لغة الوثيقة يرون أن هذا يوحي بأنه في حالة حدوث هجمات بيولوجية أو كيماوية أو رقمية أو بـ «قنبلة قذرة» شديدة الدمار، ستفكر بريطانيا في خيار شن هجوم نووي مضاد. وأدانت الأحزاب السياسية البريطانية الأصغر هذا التحرك. ووصفت كارولين لوكاس، العضو في البرلمان عن حزب «الخضر»، الزيادة في الرؤوس النووية بأنه «استخدام استفزازي وغير قانوني وقبيح أخلاقياً للموارد». وغرد الحزب القومي الاسكتلندي على تويتر يقول: «إنه مبلغ مخز من المال كان من الممكن استخدامه في معالجة فقر الأطفال بدلاً من هذا». 

وأعلن «كير ستارمر»، زعيم حزب «العمال» أن حزبه مازال ملتزماً ببرنامج غواصات «ترايدنت» والحفاظ على قوة ردع موثوق بها. لكنه صرح لمجلس العموم أن خطة جونسون لتعزيز التسليح «تنتهك هدف رؤساء الوزراء السابقين وجهود الأحزاب المختلفة لتقليص مخزوننا النووي. ولا تقدم لنا إجابات عن متى ولماذا والغرض الاستراتيجي». وجاء في بيان لكيت هدسون، الأمين العام لحملة الأسلحة النووية التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً، أن «هذا ليس الوقت الملائم لسباق تسلح نووي جديد. ففي وقت يصارع فيه العالم جائحة وفوضى مناخية، لا يكاد يصدق أحد أن حكومتنا تختار تعزيز الترسانة النووية البريطانية». وأشارت هدسون إلى أن الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين وافقا الشهر الماضي على «تقليص ترساناتهما النووية بتجديد معاهد نيو ستارت».

ويليام بوث

رئيس مكتب «واشنطن بوست» في لندن. 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»