حمدان بن راشد آل مكتوم رحمه الله، رجل دولة بجدارة، وأحد الأعمدة الراسخة في تكوين صرح الاتحاد وكان ظله.
من يتقرب منه يجده كان أقرب إليه، ومن يغترف من حكمته ويبتعد عنه، فشوق اللقاء به لا يفارق أحلامه.
لم أفارق مجلسه قرابة ثماني سنوات متتاليات، وهذا في غير الرسميات على مدار السنوات الماضية، وقد كان من دواعي سروري حضور حفل زفافه، وقد تشرفت وعائلتي الكريمة للفوز بـ«جائزة الأسرة المتميزة» في إحدى دورات «جائزة الأداء التعليمي المتميز». وتشرفت إحدى بناتي بتقديم حفلات هذه الجوائز للفائزين لأكثر من دورة. وزدت تشرفاً بإلقاء دورة على أنجاله الكرام عن الصحافة «من الخبر إلى النشر».
حمدان الإنسان في حياتي.. أين؟ عندما وقع والدي مشلولاً طريح الفراش، بعث مندوبه للسؤال عن الحال، مرفق بمنحة لقطعة أرض سكنية للمستقبل، والتي استبدلت بعد ذلك بمنحة سكنية من «مؤسسة محمد بن راشد للإسكان».
أقول هذا اعترافاً بالعرفان، بعد دعائي له بمغفرة الرحمن. لقد قطعت أجواء «كورونا» حبل الوصال بيني وبينه حتى أتاه اليقين الذي لا مرد له.
سأتطرق إلى بعض ما تعلمته في مجلسه الكريم والعامر بالدرر. فعلى رأسه عدم التفريط في أداء الصلاة، والأذان يُرفع في مجلسه، وإذا دخل وقت الصلاة قال لجُلاسه: «الحين غايته». فيقوم الجميع لأداء الفريضة، ومن ثم العودة مرة أخرى لمن يريد.
مجلسه لم يكن خاصاً بالمواطنين، بل كان مكاناً مليئاً بـ«الإنسانيين». فلم يكن لحواجز الدين والعرق والطائفة أم المذهب والقبيلة مكان في مجلسه الثري بالعطاء، والذي يمكن أن نطلق عليه بمجلس «المأمون» في صورته المعاصرة.
منهجه في تداول الشؤون العامة في مجلسه يقوم على التوثيق والتدقيق والتحقيق، من المعلومة التي تلقى دون أن يكون له أساس من العلم، بعيداً عن صيغة قيل وقال فلان دون معرفة عينه وفصله.
وأذكر من ذلك، بأن أحد الأطباء تحدث عن مسألة طبية معاصرة، فأثناء الحوار طلب الشيخ حمدان من أحد معاونيه استخراج أحدث ما توصل إليه الطب في المسألة قيد النقاش من آلة البحث في الشبكة العنكبوتية، ومن ثم توزيعها على الحضور للتبصر.
أما أياديه البيضاء فهي تطال السحاب، وقد بلغت عنان أكثر من 90 دولة في العالم، وهي أكثر من نصف عدد أعضاء الأمم المتحدة، لقد كان رحمه الله أمة في الخير وحده، وهو عمله الصامت الذي يعلم الله بفحواه، ولا يعلم الإعلام عن مداه، فهو كمن تنفق يميناه دون أن تعلم يسراه شيئاً.
وعندما أرادت «هيئة آل مكتوم الخيرية» إصدار نسخة متكاملة عن العمل الخيري في الدولة، اتصل بي المستشار الإعلامي مستأذناً إعادة نشر مقال سابق لي نُشر ضمن أبحاث مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية في ذلك المجلد الشامل، إلا أنه استدرك عليّ بأن المقال متكامل، ولكن لم تذكر فيه شيئاً عن راشد رحمه الله، فقلت له بأن راشد خيره في سره، ولكن تذكرت قصة خبرية عنه سمعته عمن لم يفارق راشد إلا قليلاً، فكتبتها وطلبت منه عرضها على الشيخ حمدان، فإن وافق على نشره فالأمر له، فقد نشر المقال مضافاً إليه كادر جديد عن راشد رحمه الله.
فالمعلم والطبيب والمهندس والفقيه وإمام المسجد ورجل الأعمال والرياضي والخيّال والصقّار والرسام والإعلامي، وآخرون يصعب علي حصرهم، كل هذا الثراء كان حاضراً بين يديه، وكان يُعطي لكل واحد منهم حقه من البشاشة المنسابة على وجهه دون تكلف أو تصنع.
حمدان رجل الوطن من الطراز الأول، فهو صناعة راشد وزايد رحمهما الله، الأمين على خزائن الدولة والحريص على عدم إهدار المال العام، وفي فترات التقشف أحسن التدبير والتصرف الحصيف.