يتداعى الخطاب الإخواني التحريضي بتداعي دعم الدول والكيانات التي استخدمت «الإخوان» كورقة يتم إحراقها حين ينتهي دورها السياسي، ليثبت «الإخوان» بذلك أن الارتهان للخارج مهما بلغت درجة دعمه وأمانه هو في نهاية المطاف قضية خاسرة، وأن الإسلام السياسي مهما تلوّن بشعارات الإنسانية، ومهما تموضع دولياً وتذرّع بذرائع المظلوميات والحقوق، لا بد أن تتحول شعاراته إلى تحريض وعنف، ثم إرهاب ففوضى، كما حدث إبان ما سمي «الربيع العربي». والمشهد السياسي اليوم خير برهان على مصير جماعة الإخوان في تركيا، وفقاً لمعطيات التقارب التركي المصري الذي أفضى إلى إلزام الجماعة الإرهابية داخل تركيا بمواثيق الشرف الصحفي والإعلامي، وتجنب التعريض بالدول وشأنها السياسي، واقتصار نشاطاته الإعلامية على التغطيات الثقافية والاجتماعية. ويعد هذا التوجه طعنة في خاصرة الجماعة، وتحجيماً لخطابها العدواني الذي اتخذ تركيا منطلقاً لإعلامه التحريضي ضد مصر ودول الخليج، وضعضع العلاقات بين تركيا وهذه الدول ولم يقدم أي فائدة للجانب التركي، بل كان عبئاً سياسياً عليه وعلى مصالحه وعلاقاته. وقد جاء هذا التحجيم ليشكل تحولاً في علاقات تركيا بمحيطها الإقليمي بصفة عامة.
والتكتيك الجديد متمثلاً في فتح قنوات اتصال بين تركيا ومصر بشكل خاص، ينسجم مع معطيات المشهد السياسي العالمي واحتياجات المرحلة الآنية، إذ أصبحت المتغيرات السياسية الجديدة تفرض ضغطاً هائلاً على التنظيم الإخواني في الدول التي يتمركزون بها، وربما مغادرتها بحثاً عن ملاذات أخرى كما صرح بعض أعضاء التنظيم بلغة متذمرة ساخطة!
لقد فشلت قيادات الإخوان في لعب الدور الذي أرادته من الخارج، رغم أن مثل ذلك بدأ العمل به منذ تأسيس التنظيم الدولي على يد سعيد رمضان صهر مؤسس الجماعة حسن البنا في خمسينيات القرن الماضي، مروراً بهجرة قيادات ورموز بارزة، منها مثل يوسف ندا وعصام العطار، حتى الهجرة الثالثة التي تلت ثورة 30 يونيو في مصر وتولي إبراهيم منير كمرشد للتنظيم في الخارج، وذلك لأول مرة في تاريخ التنظيم. لكن المتغيرات السياسية في العالم والتعاطي الأوروبي مع الجماعات المتأسلمة والمتطرفة تغير منذ ذلك الحين. ففرنسا والنمسا، وحتى بريطانيا، تتبع اليوم استراتيجية مختلفة في مكافحة الإرهاب ولن تسمح بوجود الكيانات الداعمة له على أراضيها بعد عدة هجمات تعرضت لها، حيث تمت إدانة مؤسسات وأفراد على علاقة وثيقة بتنظيم الإخوان. لذلك فإيواء التنظيمات المتأسلمة اليوم في أي بلد أوروبي لم يعد كالسابق، حيث كان يتم تحت شعارات من نوع الحريات والحقوق، بل أصبح هناك إدراك لتنامي خطورة تلك التنظيمات الإرهابية وسعيها لتأسيس كيانات لها وبالتالي استمالة مؤسسات ومنظمات داعمة وممولة، وهذا أمر تجاوزته بعض الدول الأوروبية ولا يمكن التراجع عنه.
المنتظر في الوقت الحالي، وبعد أن فطنت الدول الأوروبية لخطورة هذه التنظيمات، هو إدراجها على قائمة الإرهاب شأنها شأن «داعش» و«القاعدة»، وإن كانت أجهزة الاستخبارات الأوروبية تصنفها بأنها أكثر خطورة من تلك التنظيمات، لكنها ما تزال ترصد هذا الملف عن كثب لحين اتخاذ قرار حاسم بشأنه، قد يكون سبب تأجيله كونها لا تعمل تحت كيان واحد مثل مسمى «الإخوان»، بل تندرج تحت عدة مؤسسات تعمل في الظاهر تحت مظلة القانون، لذلك فالتحدي الذي يواجه الحكومات هو إثبات العلاقة بين تلك المؤسسات وجماعة الإخوان المعروفة بالخبث والتلون من أجل حماية كياناتها.
تتساقط أوراق «الإخوان»، وتضيق عليهم الأرض بما رحبت يوماً بعد آخر، ليجدوا أنفسهم أمام خياري الهروب إلى كندا أو أميركا، فلندن التي تحتضن مقراً رئيسياً لهم منذ سنوات طويلة تتخذ اليوم مزيداً الإجراءات ضد تواجدهم، خاصة بعد صدور عدة تقارير أمنية واستخباراتية تحذر من خطر انتشار الجماعة على المجتمعات والدول وازدياد وتيرة العنف الناتج عن دعم التنظيمات المؤدلجة، ما يؤكد أن التنظيم سيواجه سنوات عصيبة وتضييقاً دولياً قد يسهم في حل مؤسساته، أو حالة من الكمون والبيات يتم على إثرها افتعال استراتيجيات جديدة للحزب، كإخضاع أعضائه في المرحلة القادمة لقيادة أممية تتسق مع خطط بعث التنظيم مرة أخرى وإعادة تمركزه ورأب صدوعه الداخلية، ومحاولة الانتشار على مستوى دولي بشكل مختلف وأكثر انضباطاً وتغلغلاً في المجتمعات المدنية! 
الأكيد أن «الإخوان» تنظيم خطير وإغفال تواجده مسألة أخطر، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا وفي ظل هذه المتغيرات المتسارعة: هل تسلّم تركيا أعضاء التنظيم الإخواني المطلوبين لمصر والذين عليهم أحكام قضائية مسبقة بتهم الإرهاب، أم ستتعلل بقوانين الأمم المتحدة التي لم تصنف «الإخوان» بعد كمنظمة إرهابية؟

*كاتبة سعودية