الخلافات بين الدول الكبرى في الشرق الأوسط تذوب تحت وطأة التهديدات والمصالح والفرص المشتركة، وخاصة بعد تغيير الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، وبالتالي كان الغزل الدبلوماسي بين تلك الدول وتبادل رسائل تعد دعوات مفتوحة لفتح صفحة جديدة ونشر الرسائل والتصريحات الإيجابية لتحسين العلاقات، على الرغم من الملفات التي تحمل تضاداً قد يقف عائقاً في إضعاف الغايات النهائية لتلك الدول، والتي يصعب التنازل عنها، وبالتالي المساومة في تسويات وسطية مدفوعة بتحديات أجبرت بعض تلك الدول على اللجوء إلى البدائل المتوفرة أمامها لسد بعض الثغرات التي تهدد جميع مستويات ومراحل أمنها القومي. ناهيك عن التهديدات الاقتصادية والصحية والكوارث الطبيعية ووقوع المنطقة في طريق عبور ووصول أي إمبراطورية لبقية العالم.
وفي عالم السياسة هناك شد وجذب لا ينتهي، ومرونة استراتيجية تحتم على كل طرف المناورة الدائمة، وألا يربط علاقات الدول بمناظير رؤساء الدول والأحزاب الحاكمة، فالمصلحة العامة لكل شعب وموارد تلك الدول واحتياجاتها التنموية والتوسيعية في مجالها الحيوي واستقلال أرضها وحفظها من الاختراق، هي ما تحدد بوصلة سير سياسة كل دولة.
فالدول المؤثرة ذات السيادة لا تتخلى عن مصالحها الوطنية تحت أي ثمن، وكل دولة تتلون وفق المعطيات والضغوظ الواقعة عليها أو الفرص السانحة للوصول إلى سبق تنافسي، وذلك كأن تدعم الحركات والتنظيمات المستقلة التي تقع خارج سيطرة الحكومات، أو تخفيف العبء عنها من تداعيات التحالفات المعادية، أو المنافسة من خلال إيجاد ثغرات في تلك التحالفات وإعادة تنظيمها، أو تأسيس تحالفات متزامنة بصورة جماعية أو ثنائية، أو أن تكون شريكاً رئيسياً أو ثانوياً أو مسانداً من بعد في أكثر من تحالف في الوقت نفسه، وهو في ما يبدو تناقض للمراقب العادي غير المطلع على طبيعية التنافس الإستراتيجي بين الدول، كما أن الخلاص من الخضوع للتوجهات والأنماط السياسية والدبلوماسية الإقليمية والدولية يتطلب خلق بيئة وظروف توجهات وأنماط معاكسة.
من جهة أخرى، يجب أن تفهم الدول العربية أن الدول الغربية الكبرى والصين والهند وغيرها من دول مجموعة العشرين، تنظر للعلاقات الدولية كذلك من منطلق البعد التاريخي للحضارات وتداخلها في دول مجاورة لها أو بعض أقاليمها. ومن المستحيل، على سبيل المثال، أن تكون العلاقة الروسية- الإيرانية سيئة، أو أن لا يكون التعاون بينهما كبيراً، وقس على ذلك بعض العوامل غير المباشرة التي إذا أُخذت بصورة كلية وشمولية، لفهمنا لماذا هذا التقارب المفاجئ لمعظم الناس. هو ليس كذلك للمختصين في العلاقات التركية العربية في خضم الصورة المشتركة للعلاقات في الشؤون الدولية وما هو قادم من تعاون وتقارب سيكون أوسع وأشمل، وهو ما ترحب به الدول الكبرى في المنطقة والعالم علناً، وترفضه إجرائياً، وإنْ كانت علاقاتها هي بالتحديد مع تركيا، تتميز بالتوازن والتعاون في ملفات مشتركة تخدم أهدافها القومية.
فكل الدول العظمى، إنْ صح التعبير، كالصين على سبيل المثال ومبادرتها للبنية التحتية «الحزام والطريق» يهمها الاستقرار في المنطقة، وهي التي استثمرت تريليونات من الدولارات، أو لديها فرص ستحقق أرباحاً خيالية من خلالها في جميع أنحاء آسيا وأوروبا وأفريقيا. ولا نستطيع أن نعزل أو أن نفكر بالاستقرار في أفريقيا أو آسيا أو أوروبا دون التفكير في ما يمثله الشرق الأوسط للأمن الدولي، وتحليل الأمور بصورة تغطي كل المدخلات في معادلة الأمن والتنمية الدولية ومصالح الأمم، ومن خلال ربط أوروبا بشرق آسيا عبر الشرق الأوسط، ولذلك التعاون التركي -العربي القادم، وخاصة بين تركيا وبعض الدول العربية الكبرى ذات الثقل والحضور التاريخي والثقافي والروحي والاقتصادي والسكاني والجغرافي والعسكري، سيظهر جلياً للعيان وتتبعها باقي الدول العربية وفق مصلحة كل دولة.