مشاهد صادمة قادمة من لبنان هذه المرة.. الناس يتعاركون بحثاً عن حليب الأطفال في المتاجر، الجوع يطرق الأبواب، انهيار اقتصادي وغضب شعبي واحتجاجات عارمة، أما الاستقطاب السياسي فعلى أشده، مع حالة شلل تامة. الليرة اللبنانية في هبوط حاد قارب 100٪ من سعرها، فيما عدت أسوأ أزمة منذ الحرب الأهلية، حتى أن الوقود غير متوفر، وحديث عن قرب دخول لبنان في العتمة بسبب عدم القدرة على توفير الكهرباء. هذه صور مبسطة للواقع اللبناني حالياً، والمتهم الأول هو الفساد المستشري وعدم تحلي بعض السياسيين بالنزاهة الكافية والقدرة على التخلي عن المطامع في سبيل شعبهم، بالإضافة لقوى وأحزاب تعمل على إغراق لبنان في الفوضى لتحقيق أهدافها أو أهداف الدول المرتهنة لها. وهنا لا بد من الإشارة إلى «حزب الله» الذي عمل ويعمل على أجندة خارجية معدة له منذ تأسيسه، وهي في خدمة أربابه في إيران.
المفارقة أن «حزب الله» حذّر من حرب أهلية تسعى لها دول وجهات خارجية، وقال إنه لن يلجأ للسلاح من أجل تشكيل حكومة أو إيجاد حل للأزمة الداخلية، لكن الحزب نسي أن يشير إلى أن إيران هي التي لها مصلحة في جر لبنان للفوضى، فلطالما استفادت طهران من حالة الفوضى التي تسببت فيها في عدة دول وحافظت على استمرارها في تلك البلدان، فمن العراق إلى سوريا واليمن ولبنان، نجد اليد الإيرانية ممتدة في نشر الخراب. وهذا الذي نشهده في لبنان جزء من تبعات تلك التدخلات، والتي تمثلت في الحالة اللبنانية بـ«حزب الله» الذي يسيطر على الواقع اللبناني بقوة السلاح، وحتى تلك الجهات التي لها سلطة ما في لبنان فهي إما متحالفة أو تابعة للحزب.
البعض يتحدث بطريقة أوسع من ذلك ويقول، إن طهران تريد أن تعزز الفوضى في لبنان وتُبقي مفاتيح الحل في يدها، من أجل مقايضة لبنان في صفقتها التي تسعى لعقدها مع واشنطن، لتعزز موقعها التفاوضي وتدخل ملفات دولية بهدف الدفع بهذه الصفقة إلى الأمام، وهذا ما تفعله في عدد من الدول العربية حيث يعمل وكلاؤها ومَن يأتمرون بأوامرها، ف«حزب الله» هو الممسك بحالة الحرب والسلم، وسبق أن ورّط لبنان في صراعات كان في غنى عنها، ومثال ذلك حرب 2006 حيث تضررت البلاد بشدة، وقويت شوكة الحزب الذي سيطر على الوضع الداخلي، فيما كانت الخسائر الاقتصادية فوق قدرة اللبنانيين بعد أن جرّهم الحزب لحالة فوضى عقب الأخرى، وهو ما تتبدّى نتائجه حالياً في انهيار شبه تام للدولة اللبنانية.
هناك كثُرٌ يطرحون حلولا للأزمة اللبنانية، فالبعض يجد الحل في تشكيل سريع لحكومة أخصائيين غير متحزبين يعملون على حلحلة الأزمة الاقتصادية وعلى وضع خطط إنقاذ وطني وإعادة الثقة بلبنان، ووضعه على الخريطة الدولية من جديد، بهدف دعمه اقتصادياً وبعث تطمينات بوضع خطة إصلاح سياسي وعملية شاملة للقضاء على الفساد. لكن آخرين يقولون إن هذا الحل مجرد إسعاف أولي، أما الحل الأنجع فهو الذهاب إلى انتخابات برلمانية مبكِّرة بهدف إتاحة الفرصة للشارع اللبناني لاختيار صحيح هذه المرة لبرلمانيين غير متحزبين يعملون على الدفع بمصلحة لبنان أولاً، ولعل ذلك يكون بذرة القضاء على الفساد المستشري. ويُفضل البعض التغيير الجذري في عملية اختيار الساسة أو على الأقل تشجيع الشارع على الاختيار الصحيح، خاصة أنه أصبح يدرك أهمية اختيار أهل الاختصاص وليس المتحزبين فقط، وتعزيز سلطة الدولة وعدم إتاحة الفرصة للأحزاب العابرة للدول والنظم كي تسيطر على الواقع اللبناني.

*كاتب إماراتي