لم يعتد العرب بعد على مخاطبة قادة في مثل موقعك، ولن أدعي أني أول المحاولين، ولا أعرف إن كان مقالي سينشر أم لا،  ولكن لنسمها محاولة بناء جسور بين الصحافة والإدارة حول الملف النووي الإيراني. وللتذكير، إن ذلك الملف قد فتح في أغسطس من نفس العام الذي غزت فيه الولايات المتحدة العراق، أي ثمانية عشر عاماً إلا أربعة شهور (وما بين الطيبين حساب).
الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي أكبر الممولين والداعمين للإرهاب، وذات سياسات مزعزعة للاستقرار الدولي والإقليمي. وهي كذلك من استهدف ويستهدف قواتكم في العراق بشكل مباشر أو عبر وكلائها، وتشترك معهم في المسؤولية عن دماء المئات من جنودكم ناهيك عن عاهات مستدامة للآلاف منهم منذ غزو العراق. ذلك ما اتفقت عليه كل الإدارات الأميركية المتعاقبة، والموقع الرسمي لوزارتكم العتيدة يؤكد ذلك معالي الوزير. ما تقدم سيد بلينكن هو توطئة لسؤال: متى ستراجع الولايات المتحدة المفاهيم الحاكمة لاستراتيجية احتواء إيران، والتي تقوم عليها كافة سياساتكم والمقاربات التي تجتهدون في فرضها على حلفائكم رغم فشلها المتكرر منذ 2003. والتي أثبتت عبر تاريخ ذلك الملف أنها كانت ولا تزال على حساب مصالح حلفائكم وأمنهم القومي، أي بالتبعية مبدأ المصالح المشتركة.
كلنا يطمح أن تقتنع طهران بضرورة تخليها عن عسكرة برنامجها النووي، وانتهاج سياسات تقوم على مبادئ حسن الجوار، والانخراط في تكافل إقليمي يستشرف المستقبل بدل إصرارها العبثي على استحقاقات المظلومية التاريخية للشيعة. أثناء إحدى مشاركاتي في أحد البرامج الحوارية السياسية ونظير إيراني، أتذكر حينها تجاوزي مقدم البرنامج لأطرح عليه هذا السؤال: كانت أمام طهران فرصة تاريخية عبر الاعتراف الأميركي بحقها في التوسع غرباً وشرقاً، إلا أنها بدل الانشغال بتقديم نموذج سياسي ناجح، قد يقود بالتسليم بذلك الحق نتيجة ذلك الأنموذج الناجح، وجدانها تنتهج تدمير تلك الدول وتعتمد سياسة تهجير سكانها الأصلين، والعراق وسوريا يشهدان على ذلك. في حين أن دول جوار العراق (من حلفاء الولايات المتحدة) هم من قدم حلول الربط الكهربائي، وفتح منافذ للتجارة والحركة الطبيعية معه، وهو ما قاد لتحسين نوع الحياة لعموم العراقيين.

تقديم النماذج الممكن البناء عليها سيد بلينكن، هي ضالة الإدارات الأميركية المتعاقبة في صناعة المقاربات الممكنة، إلا أن ذلك لا يعفي دول المنطقة من صناعة المقاربات الخاصة بها، والمواثيق الإبراهيمية تشهد على ذلك. وربما بات من الواجب تطوير تلك المقاربة لتصبح حجر الأساس في استراتيجية تجسر المسافات بين الشرق الأوسط وأوروبا. فكلينا عانا الكثير من السياسات الأميركية منذ حربها على الإرهاب إلى السماح باستمرار زوارق الموت عبر المتوسط دون ممارسة أي ضغط حقيقي على بعض حلفائها لإيقافها رغم كلفتها الإنسانية والأخلاقية.
أحد المعلقين السياسيين الإسرائيليين قال: «الأخوة من الخليج يُبسطون المسائل كثيراً»، وبدوري أقول: «للنظر إلى أين وصلنا بفضل ذلك». السيد بلينكن، سوف نحتملكم كما احتملنا من سبقكم، إلا أننا اليوم أقدر على توظيف أدواتنا، ومنها مواجهة كل أشكال العجاج.

* كاتب بحريني