يأتي الإعلان عن برنامج دولة الإمارات للاحتفال بذكرى مرور خمسين عاماً على تأسيسها، ليستدعي انتباه العالم برمته، وليقف الخلق ينظرون إلى تجربة إنسانية ووجدانية رائعة، مزجت فيها بين الأصالة والمعاصرة، بين الانفتاح على العالم بروح خلاقة ووثابة، وبين الحفاظ على الموروث الحضاري، لأحفاد واحدة من أهم الحضارات التي أنارت الطريق للعالم، فقد استلهمت الإمارات الكثير جداً من نجاحاتها، من منطلقات الحضارة العربية في مجدها.
في اليوبيل الذهبي للإمارات، يضيق المسطح المتاح عن سرد أو عرض تلك التجرية الثرية، غير أنه من غير تهوين أو تهويل، يمكن أن نرد نجاحات المشهد الإماراتي، إلى جزئية رئيسة، وهي رؤية الآباء المؤسسين للدولة تجاه البشر بوصفهم القضية والحل، وقد وضعوا الإنسان في أعلى درجات التمكين، وسخّروا كل ما أوتوا من قوة وإمكانات لصالح ترقية الأمة وخير الشعب.
يستلفت النظر في المحاور التي ستقوم من حولها الأنشطة الخاصة باحتفالات الذكرى الخمسين، تلك التي أعلن عنها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، أن دعوة الاحتفال ليست قاصرة على الإماراتيين، بل على كل من يعتبر الإمارات وطناً له، ولعمري فإن هذا مفهوم يقارب رؤية الإغريق القدامى لرواق الأمم، وهذا ما أضحت عليه الإمارات بالفعل.
وفي المحاور أيضاً يكتشف المرء أن عام الخمسين، ليس فرصة للاحتفالات المجردة من المعنى والمبنى، بل إنها دعوة لأبناء الوطن للتأمل في قيم الماضي، كيف كانت، وعلى أي أسس صخرية تبلورت، وأي رجال حملوا الأمانة ومضوا بها إلى الآفاق البعيدة، وما صاحب ذلك كله من إنجازات.
إنها فرصة فلسفية فريدة في قراءة إنجازات تحققت عبر خمسة عقود، وقف وراءها أولئك الذين فكروا بعزم وعملوا بحزم، ولعل هذا كفيل بأن يضع على عاتق الأجيال القادمة عبئاً أخلاقياً ثقيلاً جداً، لا لكي يرهقهم أو يعجزهم عن المسير، بل ليدفعهم في أعلى عليين، للوصول إلى النجوم وتحقيق الأحلام.
خمسينية الإمارات، وما تحويه من فرح فرصة غير مسبوقة لفتح مسارات التفكير، وتعبيد مساقات التطوير أمام الشباب الإماراتي لوضع تصوراتهم عن الخمسين عاما المقبلة، وكأن المطلوب هو تقديم رؤى أقرب ما تكون إلى التعهدات بالسير في درب الإنجازات، والتي بدأت على الأرض، وها هي قبل أن تنصرم الخمسين الأولى ارتقت إلى عالم الفضاء.
أجمل ما في التجربة الإماراتية، أنسنتها، بمعنى أنها وضعت الإنسان وتنميته وتطويره، خدمته وإسعاده، في مقدمة أهدافها، ولهذا لم يكن عجيباً أو غريباً أن تنشئ وزارة للسعادة في منطقة عرفت بالألم وامتلأت بالمآسي.
في هذا السياق يمكن للإمارات أن تفاخر وتجاهر بأنها الدولة المرغوبة والمحبوبة من الشباب العربي، بأكثر من دول المهجر الغربية التقليدية، ومرد ذلك يعزى ولا شك للتوليفة السحرية التي تحافظ على الحبل السري مع العروبة، وتنطلق معها إلى أجواء العولمة، من غير دونية أو صغر ذات.
عام الخمسين وبحسب وصفه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، هو بداية لمرحلة جديدة تعانق فيها الإمارات طموحاتها في السماء، وهي التي تخطط لأن تُنشئ مستوطنة على المريخ بحدود العام 2071 أي في ذكرى قيام مائة عام على الاتحاد.
وفي السياق نفسه صدق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حين أشار إلى أن الإمارات أنبل رحلة لبناء الإنسان، وأسرع مسيرة بناء في تاريخ الدول. مبروك للإمارات الخمسين الذهبية.
*كاتب مصري