تؤكد خبرات الدول المتقدمة أن السر في نهضتها يكمن في استثمارها في الثروة البشرية، وخاصة أجيال الشباب، والعمل على تنمية مهاراتهم والارتقاء بقدراتهم، من أجل تمكينهم من قيادة المستقبل، وهذا ما أدركته دولة الإمارات العربية المتحدة منذ وقت مبكر، حينما راهنت على شباب الوطن في الانطلاق بمسيرة التنمية والتطور نحو آفاق أرحب وأوسع، وقد أثبتوا بالفعل أنهم عند حسن الظن بهم، بما حققوه من إنجازات خالدة في ميادين التقدم الإنساني، وكان آخرها «مسبار الأمل»، الذي وصل إلى مداره في كوكب المريخ في شهر فبراير 2021 بقيادة نخبة من شباب الإمارات.
الاستثمار في أجيال المستقبل المتسلح بالمعارف والعلوم العصرية والمتخصص في القطاعات النوعية الدقيقة يمثل أولوية رئيسية في رؤية الإمارات التنموية للخمسين عاماً المقبلة، التي تنظر إلى الشباب باعتبارهم الثروة الحقيقية التي ينبغي العمل على تنميتها وتمكينها بشكل متواصل، ليصبحوا أكثر إسهاماً ومشاركة في مختلف مجريات الحياة الاجتماعية والسياسية والإنتاجية والمعرفية، وهناك بالفعل العديد من المبادرات المبدعة التي تستهدف توفير البيئة المثالية لإطلاق طاقات الشباب، وتحفيزهم على المشاركة في صناعة مستقبل الإمارات، وأحد أهم وأبرز هذه المبادرات يتمثل في «مجلس محمد بن زايد لأجيال المستقبل»، الذي بات منصة مهمة لإثراء الأفكار وطرح المبادرات الخلاقة في المجالات التي تنمي معارف الشباب، وتسهم في تمكينهم من مهارات القرن الحادي والعشرين، فمنذ انطلاق دورته الأولى في العام 2017 وحتى دورته الثالثة التي أقيمت فعالياتها خلال هذا الأسبوع، أصبح بمثابة ملتقى لصناعة الفرص التي تعزز من قدرات الشباب والعمل على إكسابهم مهارات المستقبل. 
الدورة الثالثة من مجلس محمد بن زايد لأجيال المستقبل، والتي أقيمت بشكل افتراضي هذا العام بسبب جائحة «كوفيد-19» تكتسي أهميتها ليس فقط من مشاركة العديد من الوزراء والمسئولين والخبراء الدوليين في فعالياتها، وإنما أيضاً لتزامنها مع احتفال دولة الإمارات بيوبيلها الذهبي، والاستعداد لرحلتها المقبلة من التنمية للخمسين عاماً المقبلة، والتي تعتمد فيها على شباب الوطن. لقد تضمنت هذه الدورة ثلاثة محاور رئيسة وهي: «عالم متغير»، و«فرص جديدة»، و«الخمسون عاماً القادمة»، وذلك بهدف العمل على تحفيز الشباب على التكيف مع المتغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم، واستثمار الفرص الجديدة في تنمية مهارات الشباب وإكسابهم معارف جديدة لزيادة قدراتهم، وإثراء خبراتهم وتعزيز جاهزيتهم للمشاركة في صناعة مستقبل الإمارات، وتحقيق طموحاتها نحو الريادة والتفوق في مئويتها خلال العام 2071. 
«مجلس محمد بن زايد لأجيال المستقبل» هو المبادرة الأولى من نوعها على مستوى المنطقة، التي تستهدف تحفيز ثقافة الإبداع والتميز والابتكار لدى شباب الإمارات، فحينما يشارك هؤلاء الشباب في حوار تفاعلي مع كوكبة من المسؤولين الحكوميين والخبراء المحليين والعالميين المتخصّصين بالشؤون التعليمية والمهنية والمستقبلية، فإن هذا ينمي لديهم ملكات الإبداع ويحفزهم على الابتكار ويشجعم على خوض رحلة العلوم والمعارف الحديثة التي تؤهلهم للمشاركة بفاعلية في مسيرة التنمية والتطور التي تشهدها الإمارات. ولا شك في أن مشاركة 13 ألف شاب في فعاليات «مجلس محمد بن زايد لأجيال المستقبل»، والتفاعل الخلاق مع ما يتم طرحه خلالها من مبادرات وأفكار ورؤى ثرية في مجالات التعليم والابتكار والعالم الرقمي تدعو إلى الثقة والتفاؤل بمستقبل الإمارات، ما دام شبابها يتنافسون فيما بينهم على امتلاك أدوات ومعارف العصر الحديثة، ويسعون إلى توظيفها في تحقيق الأهداف الطموحة للإمارات، وتعزيز موقعها على خريطة التنافسية العالمية.
لم يعد هناك شك في عالمنا المعاصر أن المهارات المتقدمة والثروة البشرية المؤهلة أصبحت أهم مصادر الثروة الدائمة للدول والمجتمعات، ولهذا فإن «مجلس محمد بن زايد لأجيال المستقبل» يستثمر في شباب الوطن، والعمل على تأهيلهم من الآن ليشاركوا بفاعلية في تحقيق خطط لإمارات التنموية المستقبلية للخمسين عاماً المقبلة، وتعزيز تنافسيتها على الصعيد العالمي، وذلك ترجمة لمقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، «إن الإمارات تضع ثقتها وكل إمكاناتها لدعم جيل المهمة الذي سيقود جهود تحقيق طموحاتنا نحو مئوية 2071 بروح الفريق الواحد»، والتي تؤكد ثقة القيادة الرشيدة في الإمارات في الشباب، والإيمان الراسخ بقدراتهم والرهان الواثق عليهم في خوض غمار سباق التقدم، وتعزيز ريادة الإمارات وتفوقها عالمياً في الخمسين عاماً المقبلة. 
لقد جاء إعلان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، عام 2021 في دولة الإمارات «عام الخمسين»، وذلك احتفاء بالذكرى الـ 50 لتأسيس الدولة، ليمثل مرحلة جديدة في تاريخ الإمارات، تسعى خلالها إلى تعزيز ريادتها وتفوقها وتنافسيتها على الصعيد العالمي، مرتكزة في ذلك على ما راكمته من خبرات تنموية طيلة العقود الخمسة الماضية، وعلى استثمارها في أجيال المستقبل من الشباب المؤهل والقادر على مواكبة طموحاتها المستقبلية.

*إعلامي وكاتب إماراتي