للمرة الأولى في تاريخ استكشاف الفضاء الخارجي ودراسته، وصلت ثلاث مركبات آلية إلى كوكب المريخ في أقل من عشرة أيام. كان «مسبار الأمل» الإماراتي الأول الذي بلغ وجهته في 9 فبراير الماضي، وتبعه مسبار «تيانوين-1» الصيني في اليوم التالي، ثم مسبار وكالة ناسا الأميركية «بيرسيفيرانس» في 18 من الشهر نفسه.
لكل من الآليات الثلاث مهمة محدَّدة يؤديها. لكن بالتأمل في المهام الثلاث نجد أنها متكاملة فعلياً، رغم عدم وجود تنسيق مُسبق بين المسؤولين عن كل منها. بدأ «مسبار الأمل» مهمته عقب وصوله إلى وجهته في مدار الكوكب، سعياً لدراسة غلافه الجوي بشكل تفصيلي ودقيق، وفق الخطة التي أُطلق على أساسها. وشرع في إرسال الصور التي التقطها للكوكب عقب الوصول إلى مداره، وهي الصور الأولى من نوعها بوساطة مسبار عربي، فيما يجري اختبار أجهزته العلمية استعداداً للخطوة التالية في مهمته. 
وفي الوقت نفسه، لا يزال مسبار «تيانوين-1» يقبع في موقعه الانتظاري في مدار الكوكب الأحمر، وسيبقى كذلك لفترة تتراوح بين ثلاثة وأربعة أشهر، قبل أن يُطلق كبسولة تحمل روبوتاً صغيراً لإنزاله على سطح المريخ في منطقة تقع في نصفه الشمالي.
أما مسبار «بيرسيفيرانس»، فقد هبط بالفعل في الموقع المُحدَّد الذي يعد من أصعب المواقع التي يمكن بلوغها على سطح الكوكب. وأمضى الفريق العلمي لمشروع إطلاقه بضعة أيام للتأكد من سلامة أجهزته كلها، وعدم تأثر أي منها بالرحلة الطويلة التي قطعها. وفي غضون ذلك، بدأ المسبار في إرسال آلاف الصور، في الوقت الذي شرعت عربته الجوّالة في التحرك لأداء المهمة المتضمنة في خطة إطلاقه.
وسيظهر في الأشهر المقبلة كيف تتكامل المهام الثلاث التي تؤدَّى كل منها بشكل منفصل عن الأخريين، وإن كان هدفها واحد وهو الحصول على معرفة أكبر وأعمق بالكوكب الذي أصبح حديث كثير من الناس في العالم الآن.
يهدف مسبار «بيرسيفيرانس» إلى اختبار افتراض مؤداه أنه كانت هناك حياة من نوع ما على هذا الكوكب، وأنه كان أكثر دفئاً ورطوبةً، وأن المياه توفرت فيه، قبل أن يصطدم جسم فضائي مجهول به ويُحدث به ثقباً أدى إلى تغيير جوهري في بيئته، وجفاف مياهه، وتسرب الأوكسجين من غلافه الجوي. ولتحقيق هذا الهدف تتحرك عجلته الجوالة لجمع عينات من الصخور والرواسب بعد تحديدها بدقة عبر الفحص عن كثب، بحيث تساعد في تقييم التاريخ الجيولوجي للكوكب، ومعرفة ما إذا كانت هناك آثار كيميائية، أو جرثومية، أو غيرها تدل على وجود حياة سابقة فيه.
وسؤال الحياة السابقة، هو ما يهدف مسبار «تيانوين-1» بدوره إلى جواب عنه عندما يبدأ مهمته الأقل تعقيداً، وهي التقاط صور ورسم تخطيطي لخرائط، بحثاً عن مؤشرات على حياة قديمة.
غير أنه لا يتيسر التوصل إلى جواب موثوق، بشكل كامل أو تقريبي، عن سؤال الحياة السابقة في المريخ من دون دراسة تفصيلية عميقة لغلاف الكوكب الجوي، وهو ما يُعد جوهر مهمة مسبار الأمل. يهدف هذا المسبار إلى جمع أكثر من ألف غيغابايت من البيانات الجديدة عن الغلاف الجوي للمريخ، وحالات مناخه المختلفة خلال سنة مريخية كاملة، أي ما يعادل سنتين أرضيتين، بما في ذلك دورات الطقس، والعواصف الترابية التي يُعتقد أنها تغطي الكوكب كاملاً، وليست منطقة أو أخرى فيه، بخلاف الحال في كوكب الأرض. 
كما أن الدراسة التي يقوم بها مسبار الأمل لكيفية تسرب غاز الأوكسجين من غلاف المريخ الجوي ضرورية لبحث إمكان إنتاج هذا الغاز في الكوكب عن طريق امتصاص ثاني أوكسيد الكربون من هذا الغلاف، وهو ما يسعى إليه مسبار «بيرسفيرانس»، الأمر الذي يؤكد تكامل مهمتي المسبارين.
وسيقوم الفريق العلمي لمشروع مسبار الأمل بتصنيف البيانات التي سيجمعها وفهرستها وتحليلها، ومن ثم إتاحتها للمجتمع العلمي في العالم، قبل أن تُدرس العينات التي سيجمعها مسبار «بيرسفيرانس» لصخور المريخ والرواسب الموجودة على سطحه، لأن تصميمه لا يسمح بحملها إلى الأرض في نهاية مهمته. ولهذا ستبقى على سطح الكوكب مُخزَّنة في 43 أنبوباً مغلقاً بطريقة محكمة، إلى أن يتم إرجاعها في مهمة قادمة.
وهكذا، ربما يتحول التكامل الفعلي بين هذه المهام إلى تعاون في مهام قادمة سيتعين القيام بها مستقبلاً لاستكمال معرفة الكوكب الأحمر وسبر أغواره.